فى إحدى الصحف القومية- الصفحة الأولى- الأربعاء 13 فبراير 2013:
بنط عريض فى منتصف الصفحة: [تعديلات قانونية لتسهيل عودة رجال الأعمال الهاربين]
بنط متوسط: [رد الأموال والأراضى أو قيمتها السوقية شرط لانقضاء الدعوى]، والى نص الخبر".. بدأت وزارة العدل إعداد مشروع قانون لتعديل قانون الإجراءات الجنائية.. وصرح المستشار الدكتور شريف عمر رئيس إدارة التشريع بوزارة العدل بأن التعديلات المقترحة تستهدف طمأنة رجال الأعمال، وتبديد أى مخاوف لديهم من اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، وذلك ببحث الاكتفاء بحضور المحامين جلسات المحاكمة دون حضور المتهمين..(!) وأوضح أن التعديلات المقترحة يترتب عليها عدم حبس المتهمين أو منعهم من السفر..(!!)
..ومن ناحية أخرى، تعقد اللجنة التشريعية بمجلس الشورى اجتماعات مكثفة الأسبوع المقبل، للانتهاء من مناقشة مشروع القانون الجديد".
نقطة ومن أول السطر، ما معنى هذا الكلام؟!
معنى هذا الكلام أننا نعيش وفقا لشريعة ساكسونيا..! وأن شعار "الإسلام هو الحل" الذى رفعه الإخوان المسلمون طيلة هذه السنوات الماضية لم يكن إلا طريقة مبتكرة من تطبيقات فن ملء الصناديق الانتهازى، المذكور فى كتاب: كيف تصل إلى السلطة إذا كنت محتالا وخسيسا..!
وشريعة ساكسونيا، تعنى أن يكون فى سجون مصر مساجين فى جريمة سرقة موتوسيكل أو جاموسة، تم القبض عليهم ساعة سرقتها، ولم يعرض عليهم أحد التصالح مقابل رد ما سرقوه، ولم يأخذوا وقتا لكى يستثمروا ما سرقوه أو تزيد قيمته، وربما لم يرحمهم الأهالى ساعة القبض عليهم من الضرب وتكسير العظام قبل أن يسلموهم للشرطة ليكونوا عبرة لغيرهم، لكن إذا كنت لصا كبيرا، سرقت الوطن، وهربت بالملايين أو المليارات إلى الخارج، فلا تقلق.. وزارة العدل ومجلس الشورى المؤمن يقدمان لك الحل الفعال، رد قيمة ما سرقته بثمنه وقتها، ولن يتم حبسك احتياطيا أو منعك من السفر، ولا حتى ستحضر المحاكمات يا باشا..! وحلال عليك ما استثمرته من أموالنا المنهوبة.. لماذا هذا كله؟ تقول الحكومة: حتى ينشط الاقتصاد الراكد!
وبغض النظر عن كل ما يترتب على هذه التشريعات الرديئة من إهانة للثورة ولكل دماء الشهداء التى تبخرت.. فإن هذا فيه مخالفة صارخة للشريعة الإسلامية، ومنهى عنه نهيا صريحا فى أكثر من دليل.. بما يعنى بالتبعية أنه مخالف للدستور الجديد أيضا..!
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيها الناسُ إنما أهلَكَ الذين قبلَكم أنهم كانوا إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتِ محمدٍ سرقت لقطعتُ يدها".
ولا يوجد فى أى شريعة فى الدنيا شيء اسمه الإعفاء من العقوبة برد المسروقات..! اللهم إلا فى شريعة المجلس العسكري، الذى ابتدع هذه البدعة أول مرة، فى "صفقة" صريحة مع النظام السابق، بدأت بإيقاف التحقيقات مع سوزان مبارك، مقابل مبلغ وقدره كذا، فى حين أن المسروقات يجب أن ترد.. طوعا أو كرها.. وليست تفضلا من المجرم، ولا بديلا لعقابه، أما العقوبة فهى تحصين للمجتمع كله من تكرار هذه الجريمة الشنعاء.
وربما تبنى بعض السفهاء من الناس تبريرات الحكومة قائلا إن الضرورات تبيح المحظورات، والاقتصاد اليوم فى حاجة إلى الدعم.. ولهؤلاء نقول بكل حسم: إننا لسنا فى حاجة إلى هذا المال القذر الذى يأتينا على جثة القانون والدستور وكل الشرائع المعروفة فى الدنيا..! إما أن نكمل مسيرتنا ونتحول إلى دولة قانون ومؤسسات، وإما أن نواصل السير على مبدأ "كله بالحب" ثم نفيق فى يوم ما على صدمة هروب اللصوص الجدد..!!
هذه التشريعات المشبوهة التى تعتزم حكومة الإخوان ومجلس الشورى الموقر إقرارها لا أفهمها على أنها تشجيع للتصالح مع اللصوص القدامى فقط، بل إننى أذهب إلى أبعد من ذلك، إن هذه التشريعات لا يضعها إلا أشخاص يشجعون السرقة أو ربما ينونها..! فما الذى يمنع اللصوص بعد ذلك من أن يسرقوا أموالنا ويهربوا بها، ثم يتصالحوا بعد ذلك مستفيدين من قوانين "قوتنا فى سرقتنا" التى يمررها الإخوان الآن فى غياب مُريب للمعارضة بهذا الموقف الذى هو فى أمس الحاجة لكل معارضة..؟!
يقول أحمد مطر:
بالتمادى..
يصبح اللصُّ بأوروبا مديرًا للنوادى..
وبأمريكا زعيمًا للعصاباتِ وأوكار الفسادِ..
وبأوطانى التى من شرعِها قطعُ الأيادى..
يصبحُ اللصُّ رئيسًا للبلادِ.. !