لا تكفى النظريات السياسية لتفسير ما يجرى، وربما لا تكفى دروس التاريخ ليتعلم منها السياسيون والزعماء الجدد، لأن دروس التاريخ ليست للتعليم، على الأقل فى الدول المتسلطة، التى يتعلم الديكتاتور عادة عندما يكون خارج السلطة، ولو كانت دروس التاريخ تفيد ما تكررت الأحداث والحوادث وما تكرر التسلط والمتسلطون.
فى سياق ما يجرى الآن ربما سوف نحتاج إلى عدة عقول والعديد من النظريات، والكاميرات، هل نحتاج الى نظريات الجبر والهندسة التحليلية والتفاضل والتكامل لنفهم ما يجرى فى السياسة، أم نحتاج لدراسة علم النفس لنفهم كيف يفكر الزعماء والساسة، وما هى العقد النفسية التى تحكم قراراتهم.
اليوم فى مصر وبعد عامين من الإطاحة بنظام متسلط، لا يمكن القول إننا انتقلنا لنظام جديد، وديمقراطى، وهناك عنف وحرائق وضحايا يتساقطون. وفى هذا تتهم السلطة والجماعة والرئيس المعارضة وجبهة الإنقاذ بأنهم وراء العنف، بينما الجبهة والمعارضة يرفعون مطالب سياسية، يرفضون الانفراد والتسلط والتحكم والفشل الحكومى، ويؤكدون ويقسمون طوال الوقت أنهم ضد العنف والحرق، ومع سلمية الثورة، لكن كل هذا القسم لا يبرئهم من التهم المستمرة.
خذ مثلا قضية حمادة صابر تحول الأمر من مأساة إلى ملهاة، ثم عادت المأساة، والملهاة ليلعبا معا لعبة الفعل ورد الفعل، كان فيديو حمادة يظهره مسحولا، خرج ليبرئ الشرطة ويتهم المتظاهرين، ولما شاهد نفسه، عاد ليعترف بالسحل ويتهم الشرطة.
وقبل أن يغلق ملف حمادة، عاد ملف الشهداء الشباب، فقد استشهد محمد الجندى متأثرا بجراح خطيرة، بعد اختفائه لعدة أيام، هناك شواهد وشهادات عن اختفائه واعتقاله وتعذيبه فى أحد معسكرات الأمن المركزى، وإلقائه فى الشارع، والادعاء بأن سيارة صدمته، بينما تقرير الطب الشرعى يؤكد وجود آثار تعذيب وخنق وكسور، وتعذيب ليس فى وقت واحد.
محمد الجندى واحد من شباب كثيرين سقطوا طوال عامين ولم يظهر قاتلهم حتى الآن، ومن المفارقات الدائمة أن الضحايا هم من الشباب الصغير السن الذى شارك فى الثورة وواجه الموت، ولم يمارس العنف أبدا، لكنه مارس الاعتراض.
محمد الجندى وجيكا وأبوضيف، ليس بينهم من استخدم العنف أو البلطجة، بل كلهم يمارسون السياسة السلمية، ولديهم إصرار على تحقيق أهداف الثورة، وكل من سقطوا خلال الفترة التى تلت انتخاب الرئيس مرسى كانوا ممن أيدوا الرئيس مرسى فى جولة الإعادة، عماد عفت ومينا دانيال وغيرهما سقطوا برصاص مجهول، لأنهم نشطاء يعملون فى السياسة، وفى المقابل نرى العنف والحرائق، ولم يحدث أن تم القبض على من يشعلون النار، بينما يموت من يشاركون فى أنشطة سياسية علنية، وهى قضية تحتاج لتحقيقات جدية، تغلق الألغاز المفتوحة التى تجعل الاتهامات واضحة ومعلقة على رؤوس السلطة، وجهات التحقيق ولا يمكن الاستمرار فى اتهام الطرف الثالث، واللهو الخفى، بينما الضحايا طوال الوقت معروفون يعملون فى العلن، ويموتون فى السر.