يعز علينا نحن العاملين فى صناعة الإعلام، أن تمر دون محاسبة فضيحة وكالة أنباء الشرق الأوسط، ومن لفّ لفها من الصحف القومية حول بث ونشر خبر الاستطلاع المختلق، والمنسوب للإذاعة البريطانية بأن %82 من المصريين، ينبذون جبهة الإنقاذ مقابل تأييد %18 منهم فقط.
وكالة الأنباء الرسمية بثت الخبر منذ أيام، ونقلته عنها جميع الصحف، إلا أن بعضها «الصحف القومية»، قامت بإبرازه بالبنط العريض، دون أى تعقيب من الطرف الآخر «جبهة الإنقاذ»، وإلى هنا يمكن أن يمر التجاوز المهنى، لكن الفضيحة بدأت تتكشف، مع إعلان الإذاعة البريطانية أنها لم تجر أى استطلاع حول جبهة الإنقاذ أصلا، وأنها ليست الجهة التى تصمم وتجرى الاستطلاعات وفق المفاهيم والقواعد العلمية، وأن ما تناقلته وكالة الأنباء الرسمية مجرد «كلام فارغ».
الصحف المستقلة بالطبع واصلت النشر فى القضية، وأوردت جميع الآراء، وأصل الاستطلاع المزعوم، وكيف كان مجرد تصويت لمدة ساعة فى برنامج حوارى، وهو ما لا يمكن بأى حال من الأحوال رفعه إلى مستوى الاستطلاع، لكن الغريب أن الوكالة الرسمية التى اختلقت القصة من أساسها، لم تعلق من قريب أو بعيد، لم تقدم اعتذارا لمستخدميها والمشتركين فيها، وهى التى تقوم بتصحيح معلوماتى فورى، إذا ورد خطأ تافه فى أى خبر تبثه للمشتركين، والأمر نفسه حدث فى الصحف القومية التى تناقلت الاستطلاع المزعوم بفخر سياسى مريض، فماذا حدث ويحدث فى وكالة الأنباء الرسمية؟ وكيف يمكن أن نتلقى عنها أخبارا بعد ذلك؟ ولمصلحة من هدم مصداقية وكالة أنباء عريقة، ولها تاريخها فى العمل المهنى؟
وكالة الأنباء الرسمية يجب أن تحاسب فورا على هذا الخطأ المهنى الجسيم الذى يذكرنا بخطأ «الأهرام» فى أواخر أيام مبارك، عندما اختلقت الصورة الشهيرة للمخلوع وهو يتقدم أوباما والعاهل الأردنى ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بينما الصورة الحقيقية كان يظهر فيها مريضا متأخرا فى الخلفية، وخرجت «الأهرام» ساعتها لتقول إنه تصرف فنى بواسطة برنامج «الفوتوشوب»، وأن الرئاسة وافقت عليه، يعنى نوع من المجاملة المقرونة بالنفاق الزائد والضار، أما فى حالة «الوكالة»، فقد اكتفت بالصمت الرهيب إلى أن تمر العاصفة، وتناسى المسؤولون فيها، أن مثل هذا النوع من الكذب المهنى المقرون بالنفاق الزائد والضار، لا ينسى ولا يمر مرور الكرام، وسيظل فى رقبتهم إلى يوم الحساب فى الدنيا والآخرة.