لم تكن النظم الاستبدادية لتستمر فى الحكم لسنوات طويلة دون أن يكون هناك بنية تشريعية يعتمدون عليها وتستخدم لمصادرة الحقوق والحريات وقمع المواطنين، وأسمينا هذا من قبل أنها انتهاكات لحقوق الإنسان بموجب القانون مثل مصادرة حق إنشاء الأحزاب السياسية أو إصدار الصحف أو حق تكوين الجمعيات حيث كانت القوانين تضع من القيود ما يؤدى إلى مصادرة الحق ذاته.
كان هذا هو الحال قبل الثورة ورأينا كيف منع حمدين صباحى وأبوالعلا ماضى من إنشاء حزبى الوسط والكرامة، كما كانت القيود على إنشاء الصحف لا تختلف كثيراً عن الأحزاب ونذكر جريدة الدستور التى صودرت لمدة أربع سنوات وكذلك جريدة صوت الأمة وجريدة الشعب لسان حال حزب العمل.
نذكر هذا بمناسبة القوانين والتشريعات التى تصدر الآن من وزارة العدل وتحال إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإحالتها إلى مجلس الشورى لإصدارها، والسمة الأساسية لهذه التشريعات هى تقييد الحقوق والحريات وصنع سلطة استبدادية، منها قانون تداول المعلومات وقانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية فضلاً عن قانون جديد للبلطجة، هذه القوانين تأخذ بالاتجاه السلطوى والاستبدادى وبما يخالف طموحات القوى السياسية المصرية التى تطلعت إلى عهد الحرية واحترام حقوق الإنسان.
وشكل قانون التظاهر نموذجاً لهذا الاتجاه فالحق فى التظاهر هو المولود الأول للثورة المصرية حيث كان انتزاع هذا الحق السبب الرئيسى لنجاح الثورة المصرية عندما ودع المصريون الخوف من هراوات الأمن المركزى وقنابل الغاز ورصاص الخرطوش والقبض التعسفى والتعذيب فى أقبية أمن الدولة ونزلوا بالملايين فى الشوارع مطالبين بحقهم فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ثم تأتى الحكومة اليوم من خلال وزارة العدل لتسن مشروعاً جديداً لقانون التظاهر وتضع من القيود ما يؤدى إلى مصادرة هذا الحق، فعندما ينص القانون على أن يكون الإخطار قبل المظاهرة بخمسة أيام مع حق الجهة الإدارية فى اللجوء لمحكمة القضاء الإدارى لإلغاء المظاهرة لأسباب صيغت فى القانون بعبارات مطاطة كأن يكون خشية تعطيل المرور أو تهديد الممتلكات للأفراد أو الجهات العامة.
وكنا نعتقد أن يكون أول نص هو أن الحق فى التظاهر حق مطلق للإنسان ولا يجوز بأى شكل من الأشكال تعطيله أو مصادرته، كما تنص مادة أخرى على إعطاء المحافظين صلاحيات تحديد حرم للمظاهرة تجاه عشر جهات منها مجلس الشعب والشورى ومجلس الوزراء والوزارات والسفارات وأقسام الشرطة تصل إلى خمسمائة متر، فإذا كان أكبر شارع فى مصر عرضاً لا يزيد عن مائة متر وأن الشوارع المحيطة بالمجالس المنتخبة والحكومة لا تزيد عن خمسين متراً يكون بذلك تم حصار الحق فى التظاهر ليكون فى الصحراء وخارج المدن أو منعه تماماً. فضلاً عن أن هناك موضوعات هامة تجاهلها القانون مثل فض التنازع على موقع التظاهر بين جهتين قررتا التظاهر فى نفس المكان أو المسافة المقررة بين تظاهرتين متنافستين.
لكن الأخطر هو تقرير القانون إمكانية استخدام القوة المسلحة بحكم من محكمة عندما نص على وسائل فض المظاهرات من استخدام للغاز والمياه وإطلاق الخرطوش فى الهواء، وقرر حق الدفاع الشرعى عن النفس أو المال للشرطة وفى حالة طلب استخدام القوة فى حالات أخرى يلجأ للمحكمة مما يعنى جواز استخدام السلاح ضد مصريين أو القوة المفرطة، وهذا أمر خطير ويعنى تحديد حالات يجوز فيها إطلاق الرصاص أو الخرطوش مباشرة على المتظاهرين، إلى هذا الحد بلغ التفريط فى حقوق المصريين ويفسر التبرير الذى يسوقه البعض لسحل المواطن أمام الاتحادية.
إن عودة استخدام أوصاف البلطجية والخارجين على القانون لوصف المتظاهرين فى المظاهرات أمام قصر الاتحادية هو مقدمة لاستخدام مفرط للقوة بل إننا نشك فى أن الاعتداءات الجنسية على المتظاهرات ومن قبل الاعتداءات على المعتصمين فى ميدان التحرير والاتحادية هى تتبع ذات المنهج لمصادرة حقوق المصريين فى التظاهر بالإرهاب مرة وبالقانون مرة أخرى.
ما يجرى الآن فى وزارة العدل هو إعادة إنتاج بنية تشريعية لقمع الحقوق والحريات، فبعد عودة قانون الطوارئ فى مدن القناة والاستخدام المفرط للقوة فى بورسعيد والسويس والقاهرة وسقوط حوالى 60 شهيدا تعد الآن القوانين التى تصادر الحقوق والحريات.