هل نحن بصدد السقوط فى مستنقع الاغتيالات السياسية فى مصر، بعد أن اغتالوا المعارض شكرى بلعيد فى تونس؟
سؤال مخيف ومؤلم وموجع.. أليس كذلك؟
لقد لقى بلعيد مصرعه إثر فتاوى واضحة ومحددة من قبل بعض (المشايخ) فى تونس تهدر دم الرجل بزعم أن آراءه وأفكاره تخاصم الدين الإسلامى من وجهة نظر هؤلاء (المشايخ).ولأن حزب النهضة (الإسلامي) الذى يحكم تونس الآن لم يحاول أن يلقى القبض على الذين أفتوا بإهراق دم بلعيد، بتهمة التحريض على القتل، فقد تبرع (مجاهدان) تونسيان وأطلقا الرصاص على المعارض أول أمس 6/2/2013، فأردياه قتيلاً وهما يظنان كل الظن أن (الجنة) من نصيبهما!
أما فى مصر، فقد بدأ مسلسل الاغتيالات السياسية مبكرًا، وتحديدًا عقب طرد حسنى مبارك من عرين الرئاسة فى 11/2/2011، وكلنا يذكر جرائم المجلس العسكرى ضد شباب الثورة. واليوم، وفى ظل حكم الدكتور محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، تابعنا بقلوب دامعة اغتيال جيكا ومحمد الجندى وعمرو سعد ومحمد كريستى وغيرهم من شباب الثورة الأغلى من الذهب والأجمل من الورد. الأمر الذى يشير إلى أننا، ربما، بصدد اغتيال الكبار المناوئين بعد أن فرغنا من قتل الصغار المشاغبين!
لقد أفتى مؤخرًا أحد مشايخ السلفيين على شاشة التليفزيون بقتل قادة جبهة الإنقاذ بحجة أنهم خرجوا على الحاكم، وذكر أسماء الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى بالاسم، ولم تتحرك أجهزة الدولة (التى فى يد التيارات الإسلامية الآن) للقبض على هذا (الشيخ) بتهمة التحريض العلنى على القتل. وهكذا قد نفاجأ بشاب (جاهل) يترصد أحد زعماء المعارضة ويطلق عليه الرصاص تنفيذاً للفتوى المشبوهة لصاحبنا الشيخ، أو يطل علينا (شاب) آخر ويده ملوثة بدم مفكر أو صحفى أو كاتب معارض لحكم التيارات الإسلامية!
الحق أن هناك جرثومة فاسدة تنبت فى أذهان أولئك الذين يظنون أنفسهم يتحدثون باسم الإسلام. هذه الجرثومة تتمثل فى كونهم يعتقدون اعتقادًا راسخاً أنهم يعرفون الإسلام أكثر منى ومنك ومن أى أحد يخالفهم الرأى، كما أنهم مؤمنون تمامًا بأن الله، سبحانه، قد اصطفاهم، هم تحديدًا وليس أى أحد آخر، ليقيموا شريعته على الأرض حتى يضمنوا موقعهم فى السماء. كما أن مشايخ القتل هؤلاء لا يعتبرون أنفسهم قتلة بأية حال من الأحوال، بل هم أتقياء يتولون حماية الإسلام من (كارهيه) من وجهة نظرهم، وهذه الحماية تتمثل فى قتل ومحو المعارضين لهم من على وجه الأرض!
المحزن أن هؤلاء المشايخ لا يقرأون ولا يعرفون تاريخنا نحن المصريون، ولا يعلمون أننا أول شعب آمن بالله واليوم الآخر منذ آلاف السنين وقبل ظهور الأنبياء موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام. وأننا لسنا فى حاجة لمن يعلمنا الدين، لأننا عرفنا الله الواحد الأحد وآمنا بوجوده وصلينا له قبل أى شعب آخر فى هذه الدنيا.
ومع ذلك تمكن هؤلاء المشايخ من اصطياد الشباب الصغير، الذى لا يقرأ ولا يفكر، بل يسمع ويطيع، وأفرغوا فى عقولهم الأفكار الفاسدة التى تدعو إلى القتل والإبادة. (أفتح هذا القوس لأخبرك بأننى أعرف واحدًا ممن تربوا على مشايخ السلفيين، وهو صبى، وقد رفض أن يقرأ، وهو فى الخامسة والثلاثين، رواية الحرافيش لنجيب محفوظ لأنه (كافر) كما قال له شيخه السلفى، وأعلن أمامى بعصبية شديدة أنه يتمنى أن يُحرق عادل إمام لأنه يسخر من المشايخ. هذا الشاب المسكين تخرج فى الجامعة ويعمل الآن فى وظيفة مرموقة ومتزوج وله أبناء.. انظر كيف وصل به الحال إلى تعطيل عقله وذهنه تمامًا مقابل الانصياع الأعمى لما يقوله مشايخ القتل والإبادة)!
والحل.. هل ننتظر أن يقدم الجهلة أصحاب القلوب الغليظة على قتل (الزعيم) أيًا كان اسم هذا الزعيم؟ وهل نقف صامتين حتى يقتلوا المعارضين السياسيين والكتاب والصحفيين؟ أم يجب أن تتخذ أجهزة الدولة إجراءات مشددة ضد كل من يحرض على القتل مهما علا شأنه؟ ومهما كانت حجته وفتواه؟
إن القبض الفورى من قبل أجهزة الدولة على الذى أفتى بقتل البرادعى وصباحى بتهمة التحريض على القتل، سيضع حدًا فاصلاً لهذا العبث بحياة الناس وأرواحهم، وإلا سندخل فى دائرة جهنمية من القتل والاغتيال برعاية كاملة من رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان وبعض مشايخ السلفيين، وهذه مصيبة لم تكن فى الحسبان!