اختلف كما شئت مع الضباط الملتحين ومطالبهم، ولكن لا تفعل مثلما فعلوا من قبل، لا تسكت عن حق دعم الضباط الملتحين، ورفض فض اعتصامهم بالقوة والعنف، لا تكن شيطانا أخرس لمجرد اختلافك معهم، وعدم تضامنك مع قضيتهم.
ربما يكون من حقك الاعتقاد بعدم أحقية الضباط الملتحين فى العودة للعمل بلحيتهم، ولكن ليس من حقك أبدا الاعتقاد بأحقية الداخلية أو الدولة فى فض اعتصامهم بالعنف، وحرمانهم من التعبير عن آرائهم والدفاع عن قضيتهم.
قدم أولاً الإدانة والرفض للاعتداء على الضباط الملتحين، وبعد ذلك ناقش مطالبهم، واسألهم لماذا أطلقوا العنان بعد الثورة للحاهم لكى تنبت وتظهر وتزدهر بعد أن كان مرور موسى الحلاقة عليها أمراً اعتيادياً يتكرر يوميا، دون أن يشكو أحدهم أو يئن.
يقول الضباط وأفراد الأمن الذين قرروا إطلاق لحيتهم فجأة بعد ثورة 25 يناير بأنهم يطبقون سنة النبى عليه الصلاة والسلام، ويصفون كل من قرر إيقافهم عن العمل بسبب إطلاق اللحية بأنه ضد الشريعة، وكاره لسنة النبى عليه الصلاة والسلام، ويقولون أيضاً إن إطلاق اللحية حرية شخصية، وليس من حق أحد تقييد حريتهم، أو التحكم فى ملامحهم ومظهرهم.
وربما أتفق جزئيا مع مسألة الحرية الشخصية هذه، لكن لا أستوعب نفسى مناصراً وداعماً لقضية هؤلاء الضباط الملتحين قبل أن يخبرنى كل واحد فيهم يدعى الآن أنه يحب الله، ويعشق رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ويسعى لإطلاق اللحية اقتداء به، لماذا بخلوا طوال السنوات الطويلة الماضية على الرسول الكريم، وقرروا أن يتخلوا عن سنته مقابل البقاء فى وزارة حبيب العادلى وداخلية حسنى مبارك؟. هل كانت السلطة وما تمنحه بذلة الشرطة لهم من نفوذ وقوة أحب إليهم من سنة النبى عليه الصلاة والسلام؟ هل كانوا قبل 25 يناير أجبن من أن يدافعوا عن سنة نبيهم، ثم زرع الله فى قلوبهم الشجاعة فجأة حينما أصبح خصمهم ضعيفا، لا حول له ولا قوة؟، أنا لست ضد إطلاق ضباط الشرطة اللحية، ولكن أنا ضد أن يكون لهؤلاء الشياطين الخرس «لحى» تصورهم أصحاب تدين وأخلاق، وهم الذين كانوا شركاء- ولو بالصمت- فى جرائم الفساد والتعذيب، وإرهاب الناس فى الشوارع طوال حكم مبارك والعادلى.
أنا لست ضد قيام أى ضابط شرطة بإطلاق لحيته، ولكن فليخبرنى أولا أين كان من جرائم التعذيب التى يرتكبها نظام مبارك ورجال حبيب العادلى؟، كم بلاغا قدمه ضد ضابط زميل فاسد أو مرتش أو ارتكب جريمة التعذيب؟، ألم يكن صمت هؤلاء الضباط الذين يتظاهرون لإطلاق اللحية، ويتهمون الرافضين لذلك بأنهم ضد الدين، صمتا قال عنه النبى عليه الصلاة والسلام: الساكت عن الحق شيطان أخرس؟!
لا أستطيع أن أتعاطف أبدا مع شخص فضل أن يلقى بنفسه فى مستنقع من فساد دون أن يجتهد لإصلاحه، أو فضحه، أو على الأقل الهروب.. وكان ذلك أضعف الإيمان، ومع ذلك لم يفعلوه، ربما لأنهم لا يختلفون كثيراً عمن كانوا يرتكبون هذه الجرائم، أو أجبن كثيراً من أن يقولوا كلمة الحق فى وجه السلطان الجائر.