د. أحمد الصاوى

قطار مبارك وركابه الجدد

الجمعة، 01 مارس 2013 08:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

من المسلم به أن لكل عملة وجهين، وإدراك أحدهما شرط أساسى لمعرفة هوية العملة وقيمتها وإذا كنا نؤمن بأن بعض الظن إثم فلابد أننا ندرك أن الوجه الآخر لهذه الحقيقة أن بعض الظن ليس بإثم وإذا كان المؤمن كيس فطن ولا يلدغ من جحر مرتين فلا جدال أنه من الغفلة أن نبقى نحسن الظن مهما تكاثرت الريب وتراكمت الأكاذيب وليس بغافل من قال بأن الطريق لجهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

وما هو تالٍ ليس سوى محاولة للنظر بتمعن ومن مسافة تنجو من مماحكات ولجج الخصومة السياسية لخلاصة مكثفة لأبرز عناوين المشهد السياسى الذى تعيشه مصر بعد عامين ونيف من ثورة يناير.

وأول ما يستلفت الانتباه أن الكثرة الغالبة من المصريين يشعرون أن شيئا لم يتغير فى حياتهم اليومية سوى بعض فوضى وكثير من تدهور أمنى ومعيشى وسواء ألقى البعض بتبعة ذلك على المجلس العسكرى أو الرئيس العياط أو على القوى السياسية والطرف الثالث الخفى أو على ميراث عهد مبارك وتركته الثقيلة فتلك حقيقة يصعب تجاهلها أو انكارها.

وبعيدا عن السرد التفصيلى الممل حينا والمأسوى أحيانا للوقائع المفردة التى تبرهن على أن شيئا جوهريا لم يتغير فى حياة المصريين قبل وبعد ثورة يناير نستطيع أن نتبين ببساطة أن نظام مبارك لم يذهب إلى العدم بل هو باق بقاء الجبال وكل ما حدث أن طرفا آخر قد احتله تماما كقطار تغير سائقه وبعض ركابه لكنه كما هو، ذات القطار ونفس المسار.

والحقيقة أن الحوادث المأساوية المستمرة فى قطارات السكك الحديدية منذ عهد مبارك إلى عهد العياط ليست سوى إشارات قدرية لحقيقة الوضع الراهن فى مصر.

فقطار سلطة مبارك كان يسير وفقا للمشيئة الأمريكية ولا يسمح لغير نخبة رأسمالية طفيلية باستقلال القطار وكلما أظهر أفراد من تلك النخبة الرضاء بوجهة القطار سمح لهم بالانتقال لعربات الدرجة الأولى بالمقدمة وربما إلى جانب السائق وعندما طال الهرم والملل بعض ركاب الدرجة الأولى جرى استبدالهم بآخرين رضوا بأن لا تترك للصدفة مهمة وراثة السائق الذى تآكلت شعبيته ووهنت منه العظام ويستطيع القارئ على سبيل المران أن يكتب قائمة بأسماء المغادرين مع كمال الشاذلى والوافدين الجدد مع أحمد عز فيما عرف إعلاميا بلجنة السياسات ونخبة توريث الحكم لجمال مبارك.

وفى ذات القطار كان هناك رواد فى العربات الخلفية الأقل حظا ورفاهية لحقوا بآخر تلك العربات عند انطلاق القطار مغادرا بلا عودة محطة الدولة الوطنية المستقلة عن واشنطن ليس كراهية فيها بقدر الرغبة فى التخلص من ذكريات المحطة الأليمة ولضمان التخلص نهائيا من أى تفكير فى العودة إليها.

وعبثا حاول رواد تلك العربات المنكودة مزاحمة أصحاب المقاعد الوثيرة فى الدرجة الأولى وكانت غاية ما نجحوا فى الوصول إليه بعد شد وجذب ومحاولات لينة وأخرى عنيفة هو البقاء بالقطار لقاء وعدين رئيسيين، أولهما الإيمان الراسخ بالمشيئة الأمريكية التى تحدد وجهة القطار وثانيهما عدم الممانعة فى أمر وراثة الابن للأب فى قيادة القطار.

ولم تفلح كافة المناورات فى تأمين اقتراب لركاب العربات الخلفية من مقطورة القيادة بل جرى استبعادهم بقسوة وضيق أفق فى محطة الانتخابات التشريعية لعام 2010 م وكان المشهد بعدها أشبه بركاب قطار وقفوا للاستراحة فإذا به يغادرهم على مهل وهم يهرولون خلفه للحاق به ومنهم من يسترحم السائق ومنهم من يتوعده ومنهم من يستعدى صاحب المشيئة فى تعيين وجهة القطار بل ومنهم من راح يبحث عن عون خفى ممن يهمهم أمر تعطيل القطار برمته.

ومن يسترجع مشهد انتخابات 2010 م سيجد أن الشعب المصرى كان قد حسم أمره فلم تشارك قواه السياسية الواهنة فى تلك الانتخابات السابقة التجهيز مثلما قاطعها الناخبون وحتى الذين هرولوا للحاق بأى عدد من مقاعد قطار مبارك، من الإخوان والوفد، أيقنوا بعد المرحلة الأولى عبثية تلك الهرولة فآثروا الانسحاب من المرحلة الثانية.

ومن يتأمل فى أصوات هؤلاء الذين حلموا بخوض انتخابات 2010 م سواء الشاكية أوالباكية سيجد لحنا واحدا تتعدد آلاته ولكن إيقاعها هو التوكيد على النهج الرأسمالى ونغماتها هى التحذير من رعونة ركاب الدرجة الأولى فالرئيس جيد والسوء كله فى لجنة السياسات بل أن هناك من رفع عقيرته بأنه يرضى بالرئيس وابن الرئيس وما قول مهدى عاكف بالغائب عن ذاكرة من عاشوا فى تلك الأيام السوداء.

وفى ذات نفس اللحظة، كان الجمهور الذى مل عجيج قطار نخبة مبارك وتوقف عن اتباع غوايات الشيطان بجدوى اللحاق به قد عقد العزم على حمل قائد القطار على تغيير ركاب الدرجة الأولى وعدم منح الابن رخصة قيادة الأب المنتهى الصلاحية وتطور الأمر على النحو الذى رأيناه فى ثورة يناير،عاند مبارك فقرر الشعب إنزاله من القطار فعاند أكثر فكان القرار بتعطيل القطار وإخلاءه من ركابه كافة ولم تفلح محاولات دهس المحتجين الذين افترشوا بأجسادهم العارية قضبان سكته فى تحريك القطار بوصة واحدة فكان التخلى والمغادرة.

ماذا سنفعل بالقطار؟ هذا هو السؤال الذى ذهب بمصر بددا وأوقعها فى حبائل أزمة ما زلنا نسربل فيها.

كان الجمهور الذى أوقف القطار والذى لم يسبق له ركوب أيا من عرباته يحلم بوجهة أخرى وركاب أكثر عددا بل وربما بقطار آخر ومحطات مغايرة، بينما كل أطراف القطار القديم ترغب فى إعادة تسيير القطار مع اختلافات يسيرة فى شأن الركاب ومواقعهم الجديدة.

الاتفاق الوحيد كان على عدم صلاحية السائق القديم بل وانتهاء صلاحية رخصته فذهب الأب والابن للسجن ومعهما لحين من الوقت فريق من ركاب الدرجة الأولى وخاصة الذين أحدثوا جلبة قبل توقفه النهائى جلبة صوتية فى أجهزة الإعلام وجلبة مدوية رافقت قعقعة الأسلحة فى الميادين.

وحتى يكتب تاريخ تلك الفترة من وثائقها فالواضح الجلى من سياق الأحداث أن صاحب المشيئة قرر من البيت الأبيض إعادة تسيير القطار على ذات القضبان ولنفس الوجهة مطمئنا ركاب القطار وحتى الذين كانوا يهرولون للحاق به قبل اعطابه أن لكل نصيب من مقاعده الوثيرة.

كانت نصيحة أوباما لطنطاوى بالبدء أولا بتسيير القطار قبل أى بحث فى شأن وجهته على أن يبحث الركاب الجدد فى أمر ذلك لاحقا هى مفتاح السر.

لم يكن عبثا أن تسبق الانتخابات التشريعية وضع الدستور رغم قناعة الكل بأن ذلك وضع للعربة أمام الحصان، ومن يتأمل الأطراف التى حشدت للتصويت بنعم للانتخابات أولا فى غزوة الصناديق يستطيع بكل سهولة أن يتبين فى الوجوه خليطا متنافرا من ركاب قدامى يحدوهم الأمل فى الانتقال من العربات الخلفية للأولى وركاب جدد يمنون النفس بمقاعد فى قطار بدا خاليا على حين غرة من ركابه المألوفين.

ومع احتشاد الركاب الجدد داخل عربات القطار أدى التدافع واختلاف الرغبات لإثارة كم هائل من العبث والهرج والمرج وبدأ القطار يترنح من هول المشادات بداخله ولم يرق المشهد للجمهور الذى سبق له أن أوقف القطار فعاد مرة أخرى للثورة عليه فى مشاهد أعادت إنتاج محاولات رواد القطار القديم لفتح الطريق أمامه ولو على جثث المحتجين، كان الأمر برمته اتفاقا جنائيا بين رواد القطار القديم، السائق الجديد- المؤقت وركاب الدرجة الأولى من محدثى النعمة السلطوية ومن محدثى العمل السياسى والحزبى فضلا عن حراس النظام القديم بقنابلهم الدخانية وأسلحتهم.

فى تلك المحطة قرر الإخوان المسلمون باتفاق مباشر مفصل واضح مع صاحب المشيئة أوباما أن يحتلوا قطار مبارك وحدهم وأن يتحملوا مسئولية تسييره لغايته وأن يحولوا دون تغيير قواعد تشغيله ودون وصول ركاب مشاغبين لعرباته الأولى نظير البقاء فى مقعد القيادة واحتلال كافة عربات الدرجة الأولى.

وكاد مسعى الذين فطنوا متأخرا أو مبكرا لذلك أن ينجح عبر اللجوء لآليات التقاضى من أجل تعطيل القطار وإخلاء ركابه الجدد ومن هنا جاءت المعركة الشاملة ضد القضاء فحوصرت المحاكم واقتحمت قاعاتها واستباح كل هماز مشاء بنميم سمعة ومهجة القضاء والقضاة دون هوادة.

ودون خوض فى تفاصيل يعلمها القاصى والدانى وبعدما باتت الفوضى تهدد وجود القطار ذاته تم استئناف مخطط إعادة تسيير القطار ولكن هذه المرة بدءا بعربة القيادة بهدف إخلاء القائد المؤقت وانتخاب آخر مكانه وسيكتب التاريخ أن الركاب القدامى للقطار ممن كانوا بالدرجة الأولى أو كانوا يهرولون للعودة لعرباته المتأخرة قد استباحوا معا كل قيمة أو معنى لنزاهة الانتخابات فى تنافس أبعد ما يكون عن الشرف ليصلا لمعركة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية.

لقد صدم الجمهور الذى منع القطار مرتين من التحرك عندما وجد نفسه أمام أمرين أحلاهما مر وكان التعبير البليغ فى إيجازه والمؤلم فى استعارته البلاغية هل سنختار بين الطاعون والسرطان؟!.

ورغم أنها ليست لحظة للتشفى أو العتب فليس هناك ما يمنع أن نذكر الذين عصروا الليمون بأن دخان العراك السياسى حجب عن البعض رؤية الطرفين على حقيقتهما: توأمان أحدهما بلحية.

نصل للمحطة الراهنة حيث أعيد تسيير القطار بنفس الشروط القديمة والعناوين كما هى:

فأمريكا صديق استراتيجى، والصهيونى صديق عزيز ونحن مع السلام واتفاقاته ولن نحيد عن طريق التحرر الاقتصادى ولن نتوب عن الاقتراض من صندوق النقد الدولى ولن نرفع الرواتب ولكننا سنرفع الدعم والأسعار وكل من يعارض ذلك فهو خائن للوطن وعميل للأعداء وإرهابى لا ينبذ العنف وزيادة على ذلك عدو لله ورسوله بل والإسلام قولا واحدا.

قد يكون القائد الجديد للقطار غير كفء وقد يكون جهة أكثر منه فرد وقد يكون القائد خفيا حتى ولكن القطار هو بذاته بجلبته المؤذية وحوادثه المخزية بل وحتى بكل سخام دخانه وعوادمه التى تغبر وجوه المواطنين.

وما يحدث الآن هو السعى لتعيين ركاب القطار الجدد الذين سيلتحقون بالنزر اليسير مما تبقى من مقاعد الدرجة الأولى وأولئك الذين سيحشرون فى العربات الخلفية أو يقدمون خدمات الحماية والإعاشة لركاب القطار.

ومن الخبل وأردأ أنواع البله المنغولى الظن بأنه لا تفاوض يجرى من أجل ضمان المقاعد بالقطار بين الأطراف التى تمتثل للمشيئة الأمريكية لأسبابها الخاصة وآية هذا التفاوض تلك الشحنات الكهربية التى تطلق من أطراف سياسية وتستلفت الجمهور بشراراتها المفاجئة اللامعة ولكن أطرافا بعينها ليست فقط من صفوف القوى المتحدثة باسم الإسلام بل ومن مقدمة صفوف جبهة الإنقاذ سترضخ فى نهاية المطاف لنداء" الكبير الأمريكى" ونداء المصالح مهما قالت من مبررات وستنضم لصفقة توزيع مقاعد القطار فضلا عن التافهين الذين يبحثون عن دور شخصى ويريدون أن يتخذوا بين هؤلاء وأولئك سبيلا.

لقد قرر الإخوان بعد التعهد بقبول شروط تشغيل القطار القديم أن يعهدوا بأمر حمايته من الغاضبين لذات الهيئة التى تولت ذلك فى عهد مبارك وبنفس الأسلوب وبذات الأسلحة على تسعى لفرض الهدوء بتقييد الصحف ووسائل الإعلام وتكميم الأفواه وتدجين القضاء بعد تروعيه مع تبنى سياسة نشطة للإبدال والإحلال للسيطرة على السلطات كافة وأجهزتها وما سيل التعيينات فى الأجهزة الإدارية والقضائية إلا غيض من فيض.

ولا بد من الاعتراف بأن الإخوان نجحوا بقدر كبير وبمساعدة سخية من بعض الأجهزة القضائية فى ترميم أوضاع الشرطة واستعادتها السريعة لعافية توحشها البربرى مع لمسة خاصة من عالم العصور الوسطى حينما كان ثلة من الحكام المتسلطين لفرط تشوههم النفسى يعهدون لعبيدهم باغتصاب مخالفيهم على مرأى ومسمع من الناس وما الروايات المتكررة عن تعرية المعتقلين واغتصابهم إلا علامات أولية على نهج جديد من البربرية التى يراد تعميمها كممارسة منهجية لوزارة الداخلية.

وتتبقى الفوارق الرئيسة والجوهرية فى شأن احتلال قطار سلطة مبارك ومحاولة تسييره بركاب جدد.

وأول هذه الفوارق أن الكتلة الرئيسة من ركابه الأولى بالرعاية ليسوا مجرد نخبة فاسدة يجمعها رباط المصلحة الاقتصادية بل هى فوق ذلك عصبة من المرضى النفسيين تجمع بينهم جهالة موغلة فى القدم واستخفاف غير مسبوق بكرامة الإنسان ونزعة لاستحلال كل شيء باسم الدين بدءا من الكذب إلى أرواح الناس مرورا بسمعتهم وشرفهم.

وهم زيادة على ذلك نتاج تربية سياسية جعلت منهم فرقة جديدة تضاف بخطى ثابتة لعداد الفرق الإسلامية التى نشأت على ضفاف مقتل الخليفة عثمان بن عفان وما تبعه من حادثات أريقت فيها دماء المسلمين أنهارا.

ومع الاعتراف بأن الخوض فى هذا الأمر يحتاج لتسويد صفحات طوال فلا مندوحة من أن نشير لأنها فرقة تمزج بين عقيدة" الإمام" أو المرشد ومبدأ التقية لدى الشيعة وبين منطلقات الخوارج فى تكفير من يخالفهم فى الاعتقاد ولكن بمسميات ودرجات مختلفة وإن كانت استعاضت عن روح الشعوبية والقبلية القديمة بأنماط أخرى منها ما هو تنظيمى مثل الأخوة ومنها ما يعتمد على التداخل المصلحى فى الأنشطة الاقتصادية بل ومنها ما يلجأ لإنشاء صلات الدم القرابية بالتصاهر.

ذلك العيب الكامن هو نقطة الضعف الأبرز على المستوى البعيد إذ سيؤدى باستمرار إلى التبدل السريع فى التحالفات السياسية للجماعة.

والفارق الثانى أن قادة القطار لا يستهويهم أسلوب مبارك فى توظيف القانون والالتفاف على القواعد الإدارية للدولة لأسباب بعضها عملى يتعلق بسيف الوقت والعجلة وبعضها فلسفى يدور حول جاهلية وكفر الدولة الحديثة بكل آلياتها ومبادئها بما فى ذلك المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون بل والوطنية المصرية ذاتها.

ولا عجب أن نرى فى كل خطوة محاولة لإزاحة حراس هذه القواعد وإحلال آخرين من الجماعة مكانهم طالما تيسر فعل ذلك أو تحطيم لكل تلك الأجهزة والآليات وانتهاك فاجر للقانون والدستور توفيرا للوقت.

وثالث الفوارق هو الكراهية المبررة للعلم والإبداع وإعمال العقل فالمطلوب من الكافة الطاعة للمرشد العام ولى الأمر وصاحب البيعة وليس من الصدفة أبدا ما اكتشفه الشعب من انخفاض مزرى فى الكفاءة السياسية لقيادات وكوادر الإخوان الذين تصدروا المشهد بما فى ذلك كفاءة الكذب فالجهل وتعطيل العقل أفضل بيئة يتمدد فيها نفوذ الجماعة.

وليس هناك من نتيجة لتلك الفوارق سوى استجلاب العداء من قبل أطراف شتى فى دولة مركزية مثل مصر تميزت دوما باحترام كامن للقواعد التى تأسست عليها أقدم دولة وطنية فى التاريخ حتى أن ثورات الشعب المصرى عبر تاريخه السحيق وصولا لثورة يناير إنما كانت ضد حكام استخفوا بتلك القواعد وحاولوا استعباد المواطنين واحتكار السلطات بما فيها سلطة تفسير تعليمات الآلهة والأديان والاستئثار بالثروات.

ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة فى شيء عندما نقرر أن هذه السمات الخاصة لجماعة الإخوان المسلمين كانت وراء الانكشاف الكبير لحقيقتها والتدنى المتسارع لشعبيتها ولولا افتقاد الشعب لأدوات تنظيمية فعالة لآلت الأمور إلى الإطاحة بها منذ عدة أشهر.

نصل من هنا لحقيقة أن الوقت هو اليوم كالسيف الذى إن لم تقطعه قطعك والعصبة القابعة اليوم فى المقطم تسابق الزمن من أجل الإمساك بمفاصل الدولة غير عابئة بأى اعتراضات فتعين كوادرها فى وظائف الدولة بالمخالفة لكل قانون وعرف وتطبخ الدستور بليل وتستنهض الشرطة بغشم وتفرض الطوارئ وحظر التجول وتستل أموال الغرماء من النظام القديم تحت ستار التصالح وتعقد الصفقات مع رموز مبارك وتحررهم تباعا من السجون وكل شيء ستفعله من أجل إكمال مقتضيات انطلاق القطار بركابه بأقرب وقت.

ولكن ذلك كله لم يحل بعد دون تنامى المقاومة لخطط تسيير القطار ويوما بعد يوم تزداد كلفة الدماء خاصة وتخشى الجماعة من أن تتحول المواجهات المحدودة بين الشرطة والمتظاهرين إلى مذابح مرعبة ومن ثم فهى توصى باستخدام أقصى درجات العنف المكتوم لتصفية النشطاء على الأرض عبر اغتيالات صامتة وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان فى معسكرات الأمن المركزى والمستشفيات مع السعى لوضع المعارضة السياسية فى مواقع الاتهام الدائم والعمل من أجل تمزيق وحدتها المؤقتة. ومما له مغزاه العميق أن كافة كوادر الإخوان المسلمين قد حذفوا من اتهاماتهم التقليدية فى تلك اللحظة أى أشارة للمسيحيين لتجنب أى احتقان طائفى قبل إغلاق باب الترشيح لمجلس النواب ذلك أن دخول العامل الطائفى على المشهد الملتهب سيؤدى لمذابح بالمعنى الحرفى للكلمة.

إن الخطر الأكبر الذى تخشاه الطائفة - الجماعة هو تمدد العنف لمستويات تصعب معها سيطرة الشرطة على الشارع الأمر الذى قد يستدعى تدخل طرف ثان ولقد حدث أن جربت الجماعة استدعاء ميليشياتها فى واقعة الاتحادية ولم تكن النتائج مرضية بحال من الأحوال ثم جربت استدعاء الجيش فى بورسعيد ومدن القناة وكانت النتائج مثيرة للقلق ومزعجة حتى وآية ذلك توجه بعض المواطنين للشهر العقارى ببورسعيد لعمل توكيلات للجيش لإدارة البلاد.

وليس بغريب أن تسعى قيادة الجماعة للتأثير على موقف الجيش فى ظل أن خلاياها النائمة داخل القوات المسلحة أقل عددا ورتبا من أن تفرض السيطرة عليها وأضعف من أن تقوم بانقلاب قصر داخلى فكان التلويح بإقالة وزير الدفاع عبر شائعة مدبرة تلتها اتهامات ترويعية بأن الجيش هو الذى دبر مقتل جنوده فى رفح لإحراج الرئيس العياط.

ورغم اليقين بأن الجيش لا يرغب فى العودة لحكم البلاد بعد تجربة المجلس العسكرى إلا أن ما يجرى يعود بالقوات المسلحة لقلب المشهد سواء من باب الشعب الذى يرى فيه ملاذا من الفوضى وانعدام الكفاءة الإخوانية التى أضيفت إليها وحشية الشرطة أو من باب النخب التى لا تريد أن تستدعى الجيش للحكم وإنما للتلويح بذلك فقط وأكثر المتيقنين بتلك الحقيقة هم الإخوان أنفسهم سواء منهم من شن هجوما استباقيا على المعارضة ورماها بالتلون والتنكر للثورة ولشعارها"يسقط حكم العسكر" أو من صرح باحترام الجيش والفريق السيسى وحبه الجم للجيش.

والمتابع للمشهد السياسى عبر الكلمات والمقالات التى دونت فى الفترة القصيرة الماضية يدرك جيدا أن الجيش قلق وبشدة من محاولة تطويعه لخدمة الإخوان وهو بحالة الدفاع عن استقلالية المؤسسة العسكرية ولا أحد يدرى هل يمكن أن تجمد المواقف عند تلك النقطة أم يمكن للحماقة والعجلة والصلف أن تدفع بالإخوان لشد شعرة معاوية بأكثر مما تحتمل الأطراف المناوئة لعودة قطار مبارك.





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

شريف

تحليل متميز

تحليلك رائع للحالة المصرية

عدد الردود 0

بواسطة:

هشام. - المانيا

الحل الغائب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة