أسباب كثيرة وراء تكرار حالات إضراب الأمن المركزى والشرطة، منها ما هو أمنى وسياسى واقتصادى، وبغض النظر عن صحة أو معقولية هذه الأسباب إلا أن المهم الآن هو دلالة ومغزى ما يحدث فى جهاز الشرطة الذى يفترض أنه أداة الدولة لحفظ الأمن وتطبيق القانون، فالدولة الحديثة بحكم التعريف تحتكر ممارسة العنف من خلال الجيش والشرطة فى ظل دستور وقوانين تحفظ حقوق وواجبات المواطنين وعلاقتهم بالدولة. وبالتالى إضراب الشرطة مع وجود مظاهر لتفككها يعتبر كارثة تلحق بالوطن وعلامة من علامات انهيار الدولة، وتغييب القانون، خاصة أن الإضراب يأتى فى سياق تعثر أداء أجهزة الدولة على كل الأصعدة، وتوتر العلاقة بين الشرطة والشعب منذ ثورة يناير، وظهور أنماط مستحدثة من الجرائم، وانتشار مظاهر العنف والاستقطاب فى المجتمع، أى أن جهاز الشرطة يتفكك فى ظروف صعبة يحتاج الوطن إلى وجوده ودوره الأمنى، واستعادة ثقة المواطنين به، لكن الرئيس وجماعته يغلبان الدور السياسى ويعملان على إعادة إنتاج الدور القمعى للشرطة ضد المتظاهرين والمعارضة السياسية، والذى مارسته فى ظل نظام مبارك، والمفارقة أن الرئيس وجماعته اللذين كانا ضحية لقمع شرطة مبارك يرغبان فى استمرار قمع الشرطة ضد معارضيهم، وانتهاك حقوق الإنسان، وهو ما يرفضه رجال الشرطة حتى لا يكرروا أخطاء الماضى وتتوتر علاقتهم بالشعب.
درس ثورة يناير أن الشرطة لابد أن تكون بعيدة عن السياسة، فهى لخدمة الشعب والقانون وليس الرئيس وحكومته، وكلما التزمت بالقانون تحسنت علاقتها بالشعب، فجهاز الشرطة يجب أن يعمل باحترافية ومهنية عالية وبعيداً عن التحيزات السياسية والانتماءات الإيديولوجية، ما يعنى عدم تدخل رئيس الجمهورية أو الحزب صاحب الأغلبية فى عمل الشرطة أو تنظيمها الداخلى، لكن للأسف الدستور الجديد يفتح أبواباً عديدة لتدخل الرئاسة فى عمل الشرطة لأن رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للشرطة!!
بينما تحرص الدول الديمقراطية على استقلال الشرطة وعدم تسييسها، كما تحرص على حفظ الانضباط واستمرارية عمل جهاز الشرطة، من خلال فرض ترتيبات ونظم إدارية عسكرية وشبه عسكرية، مع وجود آليات داخلية للمحاسبة والشفافية، والتعبير عن مطالب رجال الشرطة، منها الحق فى تشكيل نقابات للدفاع عن مصالح رجال الشرطة وتمثيلها فى التفاوض مع الحكومة، وفى بعض الحالات تنظم هذه النقابات إضرابات رمزية أو جزئية للضغط على الحكومة، لكن كل ذلك يتم فى إطار احترام القانون والمساواة بين المواطنين، فرجال الشرطة ليسوا فوق القانون أو المحاسبة إذا ما ارتكبوا أخطاء أو تجاوزات، وهنا لا تتدخل نقابة العاملين فى الشرطة وإنما يحترم الجميع أحكام القضاء، ولا يمارسون ضغوطا على القضاة. أما فى مصر فلا احترام من الرئاسة والحكومة لاستقلال الشرطة أو استقلال القضاء، ولا توجد نقابات لرجال الشرطة أو تقاليد معروفة للتعبير عن مطالب رجال الشرطة الذين يتعرضون لمخاطر هائلة بعد الثورة، وإذا طالبوا بها فإن الرئاسة التى تقود الوطن إلى حافة الانهيار تتجاهل مطالبهم أو تختزلها فى زيادات للأجور!! بينما رجال الشرطة يطالبون أيضاً بمزيد من التدريب والتسليح والابتعاد عن السياسة بمعنى التبعية للرئيس وحكومته، وتحويل الشرطة إلى جهاز لقمع المعارضة، واستخدامه فى إدارة الأزمات السياسية وهو ما يقود إلى تغليب الحلول الأمنية لمشكلات سياسية، الأمر الذى يحمل الشرطة ما لا طاقة لها به، فهل يتفهم الرئيس وحكومته وجماعته مطالب رجال الشرطة، أم يستمرون فى غيهم، وسعيهم المتعجل لأخونة الشرطة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حمزة النواواي
انت تريد وانا اريد والحكومة تفعل ما تريد
عدد الردود 0
بواسطة:
يا استاذ فتح عنيك
يا استاذ فوق وصحصح شوية
عدد الردود 0
بواسطة:
Kimo 13
دي مش مظاهرات
عدد الردود 0
بواسطة:
lمحمود السيد عنان
ياريت نحترم اداب الحوار ...الي صاحب التعليق الثاني
عدد الردود 0
بواسطة:
د. حمدي شعبان
ما الحل...كيف نبني شرطة في مجتمع ديمقراطي؟
عدد الردود 0
بواسطة:
ehab aziz
الديمقراطية و العمل