أمس الأول، 9 مارس، احتفلت مصر بيوم الشهيد، يوم استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض عام 1969 بين جنوده وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة، كان ذلك أثناء حرب الاستنزاف المجيدة المنسية، عن هذا الحدث أنقل بعض ما كتبه الكاتب الراحل الكبير محمود عوض فى كتابه القيم «اليوم السابع - الحرب المستحيلة.. حرب الاستنزاف»:
«لم يكن عبدالمنعم رياض منذ بدايته ضابطا عاديا، كان عاشقا للعسكرية المصرية، مؤمنا بأنه لا حياة لمصر بغير جيش قوى يحميها، والجيش القوى الذى يستعد لحرب قادمة وليس لحرب سابقة، يعنى التبحر فى العلم العسكرى، فى المعرفة، فى المزيد من المعرفة، يعنى أن يطلب قائد من جنوده بقدر ما يعطيه لهم، يعنى أن يصبح القائد قدوة بسلوكه وليس بكلماته، يعنى أن نتعلم دائما، حتى من العدو، يعنى أن لا تقول لجنودك، تقدموا، ولكن تقول لهم اتبعونى، يعنى أن يتفاعل القائد مع سلاحه وجنوده ومرؤوسيه، يعنى أن يؤمن بأن مصر ليست ماضيا انتهى أمره، ولكنها مستقبل نشترك فى صنعه».
كان أول دفعته، يزداد تواضعا كلما ارتفعت رتبته، وفى إحدى المرات مثلا عاد العقيد محمد على فهمى «أصبح مشيرا فيما بعد ورئيسا لأركان الحرب» من بعثة تدريبية، فاتصل به اللواء - وقتها - عبدالمنعم رياض يسأله: عندك وقت أشوفك لأعرف منك الجديد الذى خرجت به؟، رد عليه بود ومحبة: دقائق سيادة اللواء، وأكون فى مكتبك، لكن رياض قاطعه قائلا: أنا الذى سأجىء إليك يا أخى فى مكتبتك لأتعلم، فالمعرفة ليس فيها عقيد ولواء، فيها معلم، وأنا يا محمد أريد أن أتعلم.
تلك - وغيرها كثير - حكايات عرفناها عن رياض فيما بعد، أما فى تلك اللحظة - لحظة الخبر الصاعق - فكل ما اكتشفناه، وبأثر رجعى، هو أن رياض بصفته رئيس أركان حرب القوات المسلحة الجديدة بعد حرب يونيو 1967، كان يقوم بعشرات الزيارات المفاجئة للضباط والجنود فى جبهة القتال، زيارات سرية لا يعلن عنها فى حينها ولا بعدها، الآن، فى صدفة درامية، نكتشف أنه استشهد وضباطه فى الخط الأمامى على حافة قناة السويس مباشرة بينما هو يتابع على الطبيعة النتائج الفعلية ليوم جديد من حرب الاستنزاف.
اهتز المصريون جميعا بنوعين من المشاعر متلازمين فى خط واحد، هناك أولا الشعور بالذنب، لقد قسونا على العسكريين كثيرا وطويلا بعد هزيمة يونيو، لكن رياض باستشهاده أعاد الاعتبار للعسكريين جميعا، هذا النوع الجديد من العسكريين الذين يقع على أكتافهم إعادة الاعتبار للعسكرية المصرية وإعادة بناء القوات المسلحة، أما الشعور الآخر فهو الغضب أقصى درجات الغضب، فى هذه المرة أصبح الغضب قوة إيجابية، كنا نصر منذ يونية 1967 على أن الانتصار الإسرائيلى مجرد صفحة فى كتاب، لكنه ليس آخر كتاب، وإسرائيل تريد من انتصارها أن يصبح النهاية، نهاية مصر أو حتى بداية النهاية، الآن يصر المصريون على أن استشهاد رياض هو نهاية البداية، نهاية النظر إلى الخلف وبداية التطلع إلى الأمام، التطلع إلى تحرير الأرض.