رسائل الملك أمنحوتب الرابع الشهير بـ«إخناتون» الذى كان يحكم مصر منذ ما يقرب من 3380 سنة، إلى الدكتور محمد مرسى رئيس مصر الحالى، الذى تولى مقاليد الأمور منذ قرابة ثمانية أشهر فقط، إنما تأتى فى إطار سيناريو قريب الشبه بين العهدين إلى حد التطابق، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
العهدين أسسا لقاعدة الحاكم المتدين، الذى اهتم بأمور العبادات، أكثر من اهتمامه بشئون البلاد داخليا وخارجيا، وخاضا معارك دامية مع معارضيهما، وضعت مصر على خندق الاضطرابات والقلاقل.
إخناتون دشن عهده بالانقلاب على كهنة آمون رع فى طيبة «الأقصر» وخاض معهم معارك ضروس، دفعته إلى مغادرة طيبة وتأسيس مدينة تل العمارنة بمحافظة المنيا للتبشير بديانته الجديدة «أتون رع»، وظل يتعبد فى معابد الشمس تاركا إدارة شأن البلاد داخليا وخارجيا يقتسمها قادة جيوشة وبلاط قصره مع والدته الملكة «تى» فتشتت القرارات وتقسمت مصر داخليا ما بين كهنة أمون رع الذين حكموا طيبة والملك الشرعى الذى انشغل بفلسفته وإصلاحاته الدينية، ومصر كانت حينها إمبراطورية ممتدة حتى أعالى النيل والنوبة جنوبا، وبابل وبلاد الشام آسيوياً.
ولم يستجب إخناتون للرسائل التى بعث بها إليه حكام الإمارات الآسيوية فيما أطلق عليها رسائل تل العمارنة، والتى تعد أرشيف ملكى رائع يؤرخ لمرحلة تاريخية هى الأبرز من تاريخ مصر ومكتوبة بالخط المسمارى، يستجدى الأمراء فيها الملك بسرعة التحرك وإرسال جيش مصر القوى لإخراس الأصوات التى تنادى بالانفصال عن جسد مصر العظيم، وعندما أصابهم اليأس لجأوا إلى الملكة تى والدة الملك إخناتون وطالبوها بضرورة سرعة التحرك وتصحيح مسار السياسة المصرية الخارجية التى انهارت فى عصر الملك المنغمس بأمور الديانة الجديدة، وانشغاله بصراعه المرير مع كهنة أمون رع، وتذكر الرسائل الملكة «تى» بمدى تأثير ظهور الجيش المصرى على المنطقة أيام الملك العظيم تحتمس الثالث، وكيف كان مجرد ظهور الجيش المصرى يخمد الفتن ويبطل الصراعات بين هذه الإمارات، إلا أنه لا مجيب، الأمر الذى أدى إلى انهيار الإمبراطورية، وانفصال الجزء الآسيوى منها، وسيطرة كهنة أمون رع على الجزء الجنوبى.
الأمر يبدو مشابها بما تمر به مصر حاليا، فالدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية دشن عهده بخلافات مع جميع معارضيه، وركز على الظهور فى المساجد وإلقاء الخطب الدينية لإلهاب مشاعر الشعب، ورفض استقبال رسائل قوى المعارضة، واستمر فى الاهتمام بتأدية صلاة الجمعة من كل أسبوع، ونسجت حوله قصص إمامته للحرس الجمهورى وضباط الشرطة فى الصلاة بالقصر والمساجد.
وعلى نفس النهج التزم الرئيس مرسى الصمت حيال الانقسامات الخطيرة بين كل التيارات السياسية، وظهر ما يسمى اصطلاحا «بدسترة وأخونة» الدولة، وسيطرة فصيل واحد على مقدرات البلاد، الأمر الذى فجر بركان الغضب بين التيارات المختلفة وظهرت اعتراضات واعتصامات لأجهزة مسؤولة، كما طفا على سير الأحداث اتهام أن الذى يدير الدولة هو مكتب الإرشاد وليس الرئيس مرسى، لذلك قرر الانتقام من خصومه السياسيين.
أما السياسة الخارجية فلم تختلف كثيرا عن الأوضاع المعقدة داخل البلاد، فقد شهدت توترا بالغا مع دول عربية شقيقة أبرزها دول الخليج، باستثناء قطر، واستمرار غياب دور مصر فى أفريقيا، والغياب التام فى التوطيد والتنسيق مع دول جوار تمثل امتدادا للأمن القومى المصرى مثل السودان وليبيا.
رسائل الملك إخناتون إلى الرئيس مرسى تأتى فى إطار أوجه التشابه إلى حد التطابق بين من حكما مصر قديما وحديثا لتفادى أخطاء الماضى وتداركه بسرعة، لتحقيق اللحمة الوطنية.