كل هذه النيران والأزمات والحرائق والإضرابات والغضب، والرئاسة والنظام فى مصر يبدون مثل جحا عندما كان يقول «طالما بعيد عن بيتى خلاص» ووصلت لبيته فانتظرها أن تصل لملابسه.. الأخطر مما يحدث هو رد الفعل السياسى، اختفى الرئيس من المشهد، وغابت الرئاسة والحكومة.
بعد حكم جنايات بورسعيد بإعدام بعض المتهمين وحبس آخرين وبراءة غيرهم، ألتراس أهلاوى انقسموا وخرج بعضهم فى مظاهرات غاضبة انتهت بحرق اتحاد الكرة ونادى الشرطة، لم يتصد أحد للبلطجية على عكس ما جرى مع بورسعيد، التى كان التوقع أن يكون رد فعلها أشد، لكون أبنائها هم من صدرت ضدهم الأحكام.
الحكم تحول إلى مناسبة لفوضى بدت مقصودة، كأن كل فريق يطلب من القضاء أن يصدر الحكم على هواه وليس بناء على الأدلة والأوراق، جاءت الفوضى وسط إضراب جزئى للشرطة، وأزمة خانقة للسولار انتهت بإضراب السائقين وشلل المرور.
واختفت الرئاسة والحكومة، وبدا المشهد خاليا من أى فعل سياسى حقيقى تجاه الأزمات، والحرائق.
ولما ظهر مساعدو الرئيس ومتحدثوه، أكدوا غياب الفهم لما يجرى، الدكتورة باكينام الشرقاوى مساعد الرئيس قالت «إنه حتى صدور حكم القضاء الإدارى بتأجيل الانتخابات كان لدينا خارطة طريق واضحة للاستقرار»، مساعد الرئيس لا يبدو أنها تتابع ما يجرى، وبصفتها من طباخى السم السياسى، لم تلتفت إلى أن الحكم القضائى كاشف وجاء مؤيدا لمطالب المعارضة وغيرها، لكن باكينام تهمها الخارطة، والانتخابات والمقاعد، حتى لو كانت تمر فوق الدم والنار والحرائق، ثم تواصل استعراضاتها المغيبة عن الواقع لتعلن أن حكومة قنديل مستمرة ومتوغلة ومنتشرة ولا يوجد أى داع لتغييرها، وبعد كل هذه التأكيدات تشدد على أن الرئاسة حريصة على التواصل مع الجميع، ولا نعرف أين الحوار بعد أن أعلنت أنه لا مساس بالحكومة ولا اعتراف بالخطأ فى قانون انتخابات مسلوق.
يبطل العجب بالطبع إذا ذهبنا فى جولة مع تصريحات رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد الكتاتنى، الذى عاد ليردد الأسطوانة المشروخة حول المؤامرات، وأعلن أن ما يحدث أزمات مفتعلة من أجل إعاقة مسيرة التحول الديمقراطى، ولم ينس اتهام الفلول والمعارضة بمحاربة الشرعية وقيادة الثورة المضادة، باعتبار أن الإخوان هم الثورة.
الكتاتنى خلال كلمته فى المخيم السنوى فى 6 أكتوبر قال إن محاولات إفشال الرئيس د.محمد مرسى بدت واضحة منذ أن أصدر الرئيس مرسى الإعلان الدستورى الذى حصن فيه قراراته ذات السيادة.. حيث قادت جبهات المعارضة دعوات الانقلاب على الشرعية.
الكتاتنى يدافع عن الإعلان الديكتاتورى الذى كان سببا فى شق الصفوف وإشعال البلاد، ثم يعلن الإصرار على التحدى «إننا ماضون فى طريقنا الذى ارتضينا به غير عابئين بمحاولات التشويه التى تدبر ويخطط لها ليل نهار واثقين فى نصر الله لنا».
الكتاتنى مثل مساعدى الرئيس يتحدث كأنه فى مواجهة أعداء وليس فى مواجهة شعب فقد الثقة فى نظام سياسى احتكارى فاشل، لا يهمه سوى الكراسى والانتخابات، غير ملتفت للنار من حوله والأزمات والإضرابات والسولار والغلاء.
النظام بكل مشتملاته غير مشغول بما يجرى أو غير مدرك لخطورته، ومشغول بالحديث عن مؤامرات، هو نفسه يتجاهلها، نحن أمام نظام غائب أو مغيب لا يدرك حجم ما يجرى ولا يهتم بغير الكراسى حتى لو كانت تمر على الدم والنار.