أينما وليت وجهك يمكن أن تتعرض لأخبار تسر العدو وتنكد على الحبيب المهموم بشئون هذا البلد. العنف فى الهواء الذى نتنفسه وفى الماء غير الآمن الذى نشربه وفى الطعام الذى نشقى للحصول عليه، فضلا عن السيرك السياسى الذى نعانى من كائناته وأراجوزاته فى الواقع وعلى كوكب الفضائيات واستعراضات التوك شو.
العنف فى الفصل الدراسى بالمدارس بدلا من حصص الموسيقى واللغة العربية التى كنا نطرب فيها بأجمل القصائد ونتمنى السير على دروب الأدباء العظام، وفى مدرجات الجامعة بدلا من مسابقات المسرح والندوات الشعرية التى يحضرها كبار الشعراء ليتعرفوا على المواهب الجديدة، وعلى سلالم بيت العائلة الذى لا يقطنه الأغراب.
الأمور وصلت إلى حروب الشوارع، ولا يمكن أن تسأل عن السبب أو المبرر لاشتعال هذه الحروب الصغيرة بين عائلتين أو بين قريتين أو شارعين فى مدينة، فالأسباب متنوعة وتتفاوت ما بين العادى والتافة إلى الكارثى الناتج عن سوء الإدارة والغباء السياسى والعجز عن إدارة ملفات الدولة.
فى شبرا، أى فى وسط العاصمة، سقط 3 قتلى وعشرات المصابين بالإضافة إلى تحطم أكثر من خمسين سيارة ومحلا تجاريا فى معركة بين عائلتين بسبب مباراة كرة قدم فى شوارع الحى تحولت إلى مشاجرة وظهرت فيها كل الأسلحة، البيضاء والنارية والمولوتوف، ومعها ظهر العنف الكامن فى نفوسنا والضيق من أوضاعنا ومناخ القتل الرمزى والمعنوى الذى يمارسه نجوم السيرك السياسى ومشاهير الحياة العامة على الهواء مباشرة 24 ساعة خلال اليوم.
فى الشرقية والمنوفية والدقهلية، حيث مثلث الدلتا التى كانت غنية بخيراتها وناسها الطيبين وكرمها المشهور، فقدت الدولة سيطرتها على غضب الأهالى بعد أن فقدت هيبة القانون وسلطة الشرطة بفعل ما يراه البعض فسادا سياسيا فى المفاهيم الحاكمة، وأصبحنا كل يوم نصطدم بأخبار عن قصاص فورى على غرار ما كان يحدث فى الغرب الأمريكى منذ مائتى عام، لصوص يتم شنقهم على الأشجار، وبلطجية يسحلهم الأهالى على الأرض مقيدين من أرجلهم ويمثلون بجثثهم فى الشوارع، وأقسام للشرطة يهاجمها الناس ليستخلصوا المتهمين ويقيموا عليهم العدالة الفورية بكثير من الغل والعنف وبدون رحمة لإعطاء العظة والعبرة.
فى كثير من مدن وقرى الصعيد تندلع الحروب أيضا أمام أفران الخبز وحول شاحنات السولار، الباحثون عن حاجاتهم الأساسية أصبحوا أكثر جرأة للحصول عليها عنوة، دون انتظار لدفع الثمن أو الدور أو السماح للآخرين بنسبة مما يحصلون عليه.. ليس إلا الجوع والخوف والعنف والرغبة فى حماية النفس والأقارب من الآخرين ومما يأتى به الغد.
كل يوم نفقد شيئا من إنسانيتنا
من أخلاقنا
من سلامنا
ونتحول تدريجيا إلى وحوش
وحوش تتحاور
وحوش تتقاتل
وحوش تنتظر المصير بقلق وخوف وسلاح جاهز للاستخدام..
يارب ارحم
يارب ارحم