مرة أخرى يضع الرئيس مرسى وخلفه قادة جماعة الإخوان البلاد فى مأزق جديد، فيتجاهل إعادة قانون الانتخابات للمحكمة الدستورية قبل إقراره، وهذا يهدد دستورية البرلمان المقبل برمته، ويعيد تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل يجعل المشاركة فى الانتخابات مقامرة، ولعبة سمجة لا يشارك فيها سوى الإخوان، ونفر من الانتهازيين المرفوضين شعبياً.
فى ظل هذا السلوك الاستفزازى الذى يتجاهل أبسط مطالب المعارضة المدنية، والتى يمكن اختزالها فى وضع قواعد تكفل نزاهة العملية الانتخابية، وتهيئ مناخاً مواتياً لمنافسة شريفة.
لم تجد «جبهة الإنقاذ» فى ظل هذا المناخ بديلاً سوى الامتثال لنبض الشارع، والاصطفاف
مع شباب الثورة المسكونين بغضب عارم بأن ثورتهم اختطفت، وأنهم ليسوا رقماً فى «معادلة المستقبل»، وبالتالى جاء قرار المقاطعة كآخر وسيلة للضغط، لعل الرئيس وبطانته يرجعون لصوابهم، ويدركون أن هذه الممارسات أسقطت نظام مبارك الذى لم يمت، بل شاءت الإرادة الإلهية أن يبقى حيا كعبرة لمن يعتبر. غير أننى أشك أن الإخوان تعلموا الدرس، بل سيمضون فى مخططهم، وليضرب المعارضون وشباب الثورة رؤوسهم فى الحائط، «إحنا كده، ومكوشين على كل حاجة، واللى مش عاجبه ما ينتخبناش»، هذا ما قاله صبحى صالح «ترزى قوانين الإخوان» فى إحدى جلسات مناقشة مجلس الشورى للقانون.
قصارى القول هذه ليست مرحلة استقواء ولا يصح أن يمضى الحاكم وحاشيته فى تركيع شعب كسر حاجز الخوف، لهذا أنصح الجميع حكامًا ثم معارضة بالتنازلات المتبادلة، وإلا فالبديل مخيف، فالانقسام يتعمق والاحتقان يتفاقم، وما أخشاه أن تتدهور الأمور لحد الاقتتال الأهلى، وهذا ليس تهويشًا بل قراءة أمينة لواقع سياسى مأزوم، ولا مفر من أن يعيد الرئيس وبطانته النظر فى قانون الانتخابات، وحينها يمكن للقوى المدنية أن تراجع مواقفها، فهذا هو السبيل الوحيد للتوافق الذى يحول دون انفجار «ثورة جياع»، لن تبقى ولن تذر. ولعله من المعلوم للجميع أن جهاز الأمن فى حالة هشة، وهناك أزمات شتى تحاصره مما يجعل قدرته على تأمين الانتخابات شبه مستحيلة، فهذه المرحلة السياسية هى التى تسبق انحدارنا لما يعرف بـ«الدولة الفاشلة»، ناهيك عن أزمة الثقة بين الشارع والنظام الحاكم، وتردى الأوضاع الاقتصادية، وتدنى الخدمات العامة، والفشل فى توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للناس، فضلاً عن تفشى العنف فى ظل غياب الأمن، وعلينا أن ندرك أنه إذا لم نسرع باحتواء كل هذه الأزمات بالتوافق السياسى، ستنهار الدولة ومعها تجربة الإخوان فى الحكم..