حسنا أن أعلن حازم صلاح أبوإسماعيل مؤخرا عن حزبه، فذلك مؤشر على أن الكتلة السياسية السلفية التى أطلقت عليها من قبل «الكتلة السائلة» تتحول إلى حزب يتشكل له لون وطعم ورائحة، أى يتحول من السيولة إلى التشكل ومن غياب الملامح إلى ملمح واضح يمكننا أن نحكم عليه وأن نتعرف عليه.
وأعتقد أن تحول هذه الكتلة إلى حزب سياسى والاندماج فى الحياة السياسية ضمن مشهد سياسى واسع هو إنجاز مهم داخل الحالة الإسلامية، خاصة أن هذه الكتلة السائلة التى أيدت حازم أبوإسماعيل منذ الثورة هى خليط واسع من أفكار شتى أغلبها ثورى وشبابى لديه روح متدفقة وعاطفة متأججة، تخالطها روح من سلفية تعطيها معنى أقرب للاحتجاج والانتقاد والتمرد ربما، ومن ثم فإن دمجها فى حزب سياسى هو إنجاز يضاف للتحول فى أفكار تلك القطاعات من الشباب ناحية الانعطاف إلى العمل السياسى المؤسسى. يبدو حزب الراية -كما ألاحظ- عودة لما يمكن أن نطلق عليه الأحزاب الإسلامية ذات الطابع الأيديولوجى الذى يطرح مفهوما واسعا يجمع بين الحركة والحزب ويعيد مصطلحات مثل الرباط، وتحريك الصفوف وتجميع الحشود، وقد كانت الأحزاب الإسلامية بعد الثورة جميعها تقريبا ركزت على مفاهيم النهضة والحرية والعدالة والنور والفضيلة والبناء والتنمية، وهو ما يعنى الاهتمام بواقع الناس وتحسين حياتهم وتحقيق الرفاهية والتحسن فى حياتهم، حزب الراية يعيدنا مرة أخرى إلى خطاب أيديولوجى واسع يكاد يكون أقرب لخطاب أحزاب الستينيات التى قدمت نفسها باعتبارها راية لقوى الشعب كلها ضمنها فى سياق موحد لا يعرف التنوع.
أعتقد أن التحدى الرئيسى الذى يواجه الحزب الجديد هو قدرته على التمييز بين فكرة الحزب والحركة، فالحزب شىء والحركة الاجتماعية شىء مختلف، ومن الأفضل للحزب ألا يورط نفسه فى الحديث عن أننا أمام حركة واسعة ربما تتجاوز الحدود المصرية، ذلك أن الحركات الاجتماعية التى أصبح لها أذرع سياسية حزبية تثير مشكلات للحزب وللحركة معا، وأظن أن هذا الالتباس يعبر عن الضغط النفسى والفكرى الذى يواجهه مؤسس الحزب فيما يتعلق بتصورات جمهوره عن نفسه، وعن الحركة التى يريدها والحزب الذى ينتمى إليه، فجمهور حازم وحزب الراية هو تعبير عن حركة أكثر منه حزب، وهو -أى الجمهور- ربما لا يستسيغ فكرة الحزب باعتبارها عنوانا للفرقة والتعصب، كما أن دخول البرلمان والمنازلة السياسية عن طريق الانتخابات ربما لا تريحه لأنه يفكر من منظور عقدى دون قدرة على إدراك ما نطلق عليه دائما ومنذ وقت مبكر «التمييز بين الاجتهاد الفقهى والاجتهاد السياسى»، ولذا فإن كلمة حازم حين أعلن الحزب اتخذت طابعا دفاعيا مبعثه محاولة إقناع الجمهور أن التحول لحزب لا يعنى حيدة عن منهج أو قبول بحكم الطاغوت أو التحاكم إلى غير الله. سوف يؤثر الحزب الجديد بالقطع من ناحية إعادة تشكيل الكتلة السلفية على وجه الخصوص وهى كتلة ضخمة، بحيث سوف نجد أن حزب النور سيخسر قطاعا من الكتلة التى كانت ستصوت له، ومن ثم فإن وزن حزب النور فى الحياة السياسية سوف نعرفه حقيقة بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، كما أن وجود حزب الراية لن يجعل هناك معنى لأحزاب مثل الشعب مثلا والذى شكلته الجبهة السلفية، ولن يجعل هناك معنى لأحزاب صغيرة مثل الفضيلة ولا حتى الإصلاح، وربما من الأفضل للوطن الذى انشق على النور أن يندمج فى الحزب الجديد. السؤال هو كيف ستكون علاقة حزب الراية بحزب الحرية والعدالة، من المبكر قطع الإجابة عن هذا السؤال لكن المؤكد أن الحزب الجديد سيقدم حليفا مهما للحرية والعدالة يعوضه عن حليف افتقده وافترقت بهم السبل وهو حزب النور.