الكتلة التصويتية الحالية تعبر عن الصحفيين الحقيقيين المنشغلين بمظلة الحماية النقابية وحرية الرأى والتعبير أكثر من انشغالهم بتخفيضات الزيت والسكر
انتهت انتخابات نقابة الصحفيين بما لها وما لها.. فهذه الدورة ليس عليها ما يذكر.. أما ما لها فهو كثير.
البعض يحاول التقليل من شأن هذه الدورة ومن قيمة نتائجها، مستنداً على قلة عدد المشاركين فيها وتقارب نسب الأصوات بين المتنافسين الرئيسيين على منصب النقيب، ويعتبر البعض أن نجاح النقيب ضياء رشوان فى الجولة بنسبة %52 عورة.
هى قراءة مغرضة وساذجة، فالمتابع لانتخابات نقابة الصحفيين يعلم تماماً أن هذه هى الدورة الثانية بعد ثورة 25 يناير 2011، وأن الدورة الأولى التى انتهت بـ«الولى» نقيباً للصحفيين بنفس نسبة نجاح رشوان فى الدورة الثانية شهدت تدهور نسبة المشاركين بالمقارنة عن سابقها من الدورات قبل 2011.
والحقيقة، أن زيادة نسبة المشاركين فى انتخابات نقابة الصحفيين قبل 2011 هو العلة الحقيقية، فالصراحة تحتم علينا الإقرار باختلال بنية عضوية نقابة الصحفيين فى العشرين عاما الماضية حيث منحت شرف عضويتها لعدد كبير ممن لا يستحقون هذه العضوية دفعت بهم رموز السلطة السابقة، مستخدمة كل الحيل والوسائل الملتوية من أجل خلق كتلة تصويتية تمكن رجالها داخل المجتمع الصحفى من السيطرة على مجلس النقابة التى كانت مصدر قلق دائم للنظام الحاكم.
هذا بالإضافة إلى أهداف أخرى للإفساد تبناها رجال الأعمال الفاسدون التابعون للسلطة السابقة والتى كان من ضمنها الدفع بعناصر تابعة لها لعضوية النقابة لخلخلة تماسك بنيتها والسيطرة عليها، فإذا أضفنا التكتلات الحزبية التى كانت لها مصلحة فى وجود أعضاء لها داخل النقابة، وإن كانت بنسبة أقل من سابقيها، سنصل إلى نتيجة أن خريطة عضوية النقابة أصبحت غالبيتها تنتمى إلى جماعات الحكم والمصالح المتنوعة، وتقلصت النسبة العددية للصحفيين أصحاب المصالح المهنية الخالصة بمفاهيمها السياسية المرتبطة بطبيعة المهنة التى تعتمد على اتساع رقعة حرية الرأى والتعبير.
ما سبق يفسر ازدياد نسب الإقبال فى الانتخابات السابقة، بسبب سيادة مبدأ الحشد من جماعات الحكم وجماعات الضغط الفاسدة والاعتماد على النسبة الكبيرة من العضوية الورقية للنقابة وسلطة المال والمغريات والفساد والاستقطاب المصلحى الفردى على حساب مصالح الجماعة.
وبعد 2011 وفى أول انتخابات نقابية قلت نسبة المشاركة فى الانتخابات بشكل ملحوظ، وفى الانتخابات التى تلتها قلت بنسبة أكثر، وهو ما يعنى ببساطة العزوف التدريجى للعناصر التى انحصر دورها داخل المجتمع الصحفى فى الانتخابات والإخلال بالمهنة لحساب نظام الفساد، والنسبة التى شاركت فى العملية الانتخابية الأخيرة تمثل أكثر من 60% نسبة الصحفيين الحقيقيين، وأتوقع لها الازدياد.
الملحوظة الثانية، والتى ينشرها البعض، أن نتيجة الانتخابات عكست سيطرة التيار اليسارى على النقابة.. وبداية أوضح أن الفكر اليسارى ليس سبة أو رجسا من عمل الشيطان، وكذلك أى فكر سياسى، وأوضح أيضاً أنه من الطبيعى أن تصبغ نقابة الصحفيين بالصبغة السياسية لطبيعة المهنة المرتبطة بحرية الرأى والتعبير عن مصالح الأمة.. وهناك خلط ساذج بين مفهوم رفض تحزيب النقابة ورفض تسييس النقابة.. أتفق على رفض التحزيب، أما فصل النقابة عن السياسة فهى السذاجة المضحكة.
ولهذا جاءت نتائج انتخابات الصحفيين فى الدورة الأخيرة لتؤكد رفض تحزيب النقابة الذى حاولت جماعة الإخوان المسلمين تحزيمها به، والأمس ليس ببعيد عندما أعلنت الجماعة فى خبر صحفى خلال الدورة السابقة عن موافقة المرشد العام للجماعة على خوض خمسة من أعضاء الجماعة انتخابات نقابة الصحفيين، وهو ما لم يقم به أى من الأحزاب.
باختصار، رفض الصحفيون أى مرشح لاقى تأييدا من هذه الجماعة، وتم انتخاب 6 أعضاء للتجديد ونقيب يعبرون بحق عن الاستقلال النقابى والمصالح السياسية، للصحفيين، منهم من ينتمى للفكر اليسارى، ومنهم من لا ينتمى، وهذه ليست كبوة أو علة.
جماعة الإخوان المسلمين تراجع وجودها فى المجتمع عامة، وفى «الصحفيين» خاصة بسبب إصرارها على موقفها العدائى من الإعلام وحرية الرأى والتعبير، وهو الموقف المعهود من أى قوى فاشية تجاه الإعلام، مما يترتب عليه أهمية الدور السياسى لمجلس النقابة الحالى فى مواجهة هذه الحملة الفاشية على النقابة وعلى حرية الرأى والتعبير.. أعانه الله.
وفى النهاية، لا تفوتنا ملاحظة مهمة وهى اختفاء البرامج السلعية الساذجة لجذب أصوات الصحفيين، والتى وصلت أشكالها فترة النظام السابق إلى تذاكر مخفضة داخل الملاهى ونسب تخفيض فى بعض محال البقالة.. فالكتلة التصويتية الحالية تعبر عن الصحفيين الحقيقيين المنشغلين بمظلة الحماية النقابية وحرية الرأى والتعبير أكثر من انشغالهم بتخفيضات الزيت والسكر.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود عبد النبى
صح
صح