معروف أن الفضائيات الأكثر تأثيراً وتمويلاً وانتشاراً هى فضائيات خليجية بمعنى أنها تابعة فى ملكيتها وتوجهاتها السياسية والثقافية إلى أحد البلدان الخليجية أو إحدى الشركات التى يمتلكها رجال أعمال خليجيون تربطهم علاقات صداقة أو تحالف مع واحدة أو أكثر من الحكومات الخليجية، الأمر الذى ينعكس فى خطاب تلك الفضائيات ومواقفها، وذلك رغم أن هذه الفضائيات الخليجية -تمويلاً وإدارة- تعمل على أساس عربى عربى أو خليجى عربى، وذلك لضمان الانتشار والتأثير فضلاً عن ضمان أكبر قدر من كعكة الإعلانات والمسابقات والاتصالات العربية العربية.
وإذا كان تطور الفضائيات العربية يرتكز على ثلاثة مبادئ هى الحرية والتمويل والاحتراف، فإن الإشكالية التى تطرح هنا هل ستؤمن الإعلانات والدخل من المسابقات والاتصالات مصادر تمويل غير مشروط تكفل استقلال وحرية الفضائيات، أم أن الفضائيات تقع تحت سطوة الإعلانات بديلاً عن سطوة الحكومات، ورجال الاعمال المتحالفين مع السلطات المستبدة فى بلادهم؟ لا توجد لدى إجابة نهائية لكن يمكن التفكير فى ثلاث قضايا:
الأولى: توقف التمويل أو تغيير طبيعة واتجاهات القناة الفضائية ذاتها كما حدث فى قناة أبوظبى التى حققت نجاحات مهمة أثناء تغطيتها للغزو الأمريكى للعراق ثم سرعان ما تراجع دورها. الثانية: اختلاف هامش الحرية المسموح به من قناة إلى أخرى بحسب طبيعة النظام السياسى الذى يقدم التمويل وتوجهاته السياسية ومواقفه، إضافة إلى تباين آليات السيطرة والتوجيه، وهذه التباينات تختلف بحسب طبيعة ودور الدولة الممولة وعلاقاتها داخل النظام الإقليمى العربى ومدى قدرتها على تحمل ردود أفعال دول أخرى قد ترى فيما تقدمه هذه الفضائية أو تلك إضراراً بمصالحها. فى هذا السياق يمكن رصد ما يمكن تسميته بتصدير الخطاب النقدى، وأقصد به أن بعض الفضائيات الأكثر تأثيراً فى المجال العام العربى تنتج خطاباً نقدياً يتصدى بحرية وجرأة إلى كثير من القضايا العربية الخاصة بالإصلاح السياسى والاجتماعى لكن دون مناقشة هذه القضايا فى إطار الدولة التى تمولها أو تديرها، أى أننا إزاء خطاب مزدوج المعايير يدعو للثورة أو الإصلاح السياسى واحترام حقوق الإنسان فى بعض الدول العربية ولا يناقشها فى الدولة التى تمول أوتدير القناة النى ينطلق منها هذا الخطاب، ومثل هذه الازدواجية قد تقلل من مصداقية الخطاب وتأثيره الاجتماعى والسياسى بين الشعوب العربية، لكن وفى المقابل فإنه لا يمكن رفض مثل هذا الخطاب فهو رغم ازدواجيته إلا أنه يظل مفيداً وقادراً على طرح مفاهيم جديدة قد يتعلم منها الجمهور حتى ولو بمنطق المخالفة والتنافس بل الصراع بين القنوات. كما لا توجد دولة عربية حاليا قادرة على تمويل كل الفضائيات أو التحكم فيها من خلال الإعلانات، وبالتالى ستنال نصيبها من النقد وربما الدعوات للثورة. الثالثة: يوجد أربعة فاعلين رئيسيين فى النظام الإعلامى العربى هم: الدولة، ومؤسسات القطاع الخاص، ومنظمات العمل العربى المشترك، وفعاليات المجتمع المدنى، مع ملاحظة ضعف دور الفاعلين الثالث والرابع، وظهور فاعل خامس هو الشركات الإعلامية متعددة الجنسية ووسائل الإعلام الأجنبية الناطقة باللغة العربية. والمفارقة أن الفاعل الخامس الأجنبى يتقدم ويحتل مكانة مميزة ضمن النظام الإعلامى العربى وخصوصا بين الفضائيات العربية ومواقع الإنترنت واليوتيوب وخدمات البحث والأرشفة على الويب، ما يعنى أنه يتحكم فى ثقافة الصورة وإنتاج وتداول المحتوى الرقمى باللغة العربية على الإنترنت، خاصة أنه تتوافر له إمكانيات هائلة كما يلتزم بمعايير مهنية أكثر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة