«القيادة والفطنة والصدق معك.. ولكنك لا تنتفع بها.. فالفوضى ضاربة أطنابها فى طول البلاد وعرضها.. ولكنك مع ذلك تتغذى بالأكاذيب التى تتلى عليك.. فالبلاد قش ملتهب والإنسانية منحلة، والخوف يملأ النفوس، وانتشرت أعمال البلطجة والسلب والنهب، وعم الانحلال الأخلاقى، عدم المبالاة بالتقاليد والمعتقدات. وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون.. وفقد الناس الثقة فى الأمن، وتفككت الإدارة، وتولى الصعاليك إدارة الأمور، ليتك تذوق بعض هذا البؤس بنفسك». للوهلة الأولى وأنت تقرأ هذا المقطع الأدبى تتصور أنه يصف ما تمر به مصر حاليا فى عهد الرئيس مرسى وجماعته. لكن الحقيقة أنه الحكيم «إى بور» يصف حالة أول انقلاب اجتماعى معروف فى التاريخ، على حاكم مصرى وهو الملك بيبى الثانى منذ أكثر من 4215 عاما.
سيناريو مكرر بنفس المشاهد، ولكن من يقرأ التاريخ، ومن يتعظ ويستفيد من دروسه، خاصة جماعة الإخوان المسلمين الذين يرون فى التاريخ بدعة وكفرا وإلحادا، رغم أن ما مرت به مصر عقب الانقلاب الشعبى على الملك بيبى الثانى منذ 4215 عاما، يماثل ما تمر به مصر حاليا وبنفس التفاصيل وغرقت فى دوامة الفوضى التى استمرت قرونا من الزمن كما يقول المؤرخون.
ولننظر ما سرده لنا الحكيم «إى بور» والذى قرر أن يخبر الملك بكل الحقائق التى تمر بها البلاد بعد أن خدعه رجال بلاطه ومستشاروه، وأسدوا له نصائح جرت على البلاد الوبال وذلك نقلاً عن كتاب «تحذيرات نبى».. وهو من الكتب النادرة، التى تؤرخ لتلك المرحلة المظلمة من تاريخ مصر. يبدأ الحكيم وصفه «للملك» بما تمر به البلاد من البؤس العام الذى حل.. وتفكك الإدارة والقضاء على التجارة الخارجية.. وغزو الأجانب وتولية الغوغاء المراكز العليا.. يذكر الحكيم أن أهل الصحراء حلوا مكان المصريين وأصبحت البلاد ممتلئة بالعصابات.. وأحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق. وأصبح الصعاليك يمتلكون أشياء جميلة..
وأصحاب الأصل الرفيع مفعمين بالحزن.. واندثر الضحك من على الشفاه.. ونشر الحزن ستائره بطول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى.. وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول: ياليتنى مت قبل هذا.. والأطفال يقولون: كان يجب عليه ألا يجعلنا على قيد الحياة.. والأطفال حديثو الولادة يلقون على قارعة الطريق... وتحول النهر إلى دماء.. وأصبحت خزائن أموال البلاد خاوية. يستطرد الحكيم روايته للملك «بيبى الثانى» عن مأساة البلاد التى أخفاها مستشاروه ورجال بلاطه عنه قائلا: «سيدات الطبقة الراقية تم بيعهن فى سوق الجوارى.. وتحولت أغانى العازفين إلى أناشيد حزن.. وندبت الماشية والقطعان حالة البلاد.. وأتلفت المحاصيل وأصبح القوم يأكلون الحشائش والقاذورات من أفواه الخنازير من شدة الجوع.. واختفت الغلال وصارت المخازن خاوية.. وسلبت كتابات قاعة المحاكمة الفاخرة.. ونهبت الإدارات العامة.. ومزقت قوائمها.. وصار اللصوص يدوسون بأقدامهم قوانين قاعة المحاكمة دون خوف.
هذه المقتطفات من حكاية الحكيم «إى بور» التى رواها للملك بيبى الثانى، تحاكى ما تمر به مصر حاليا، وكأنه يسرد حال البلاد الآن للرئيس محمد مرسى، والسؤال الذى أطرحه عليكم: هل لو تطوع أى من الشخصيات التالية، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أو المفكر الإسلامى الدكتور سليم العوا أو الدكتور محمد البرادعى أو السياسى المحنك عمرو موسى، أو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وحمل كل منه على عاتقه أن ينصح الرئيس محمد مرسى وينقل له بكل صدق، ما تمر به البلاد على غرار ما نقله الحكيم «إى بور» للملك بيبى الثانى، هل سيسمع له؟... عندما رفض الملك بيبى الثانى نصائح الحكيم «إى بور» دفع بالبلاد إلى عصر الاضمحلال الأول وغرقت فى الفوضى قرونا طويلة، وأتمنى أن الرئيس مرسى أن يرفض نصائح إخوانه ويستمع فقط الان للناصحين من شركاء الوطن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.