خرجنا من الحارة المزنوقة إلى حديث الصوابع، والمنحدر الطالع، والدوائر المربعة، والمثلثات المثمنة. ومازلنا نراوح مكاننا وننتقل من انسداد لفشل بنجاح ساحق. لقد كنا ننتظر أن يخرج السيد الرئيس محمد مرسى، ليطفئ نيران السياسة، لكنه زاد النار ناراً، وتهديداً، وواصل حديثه مهددا وملقحا بكلام واتهامات لم تترك ولم تذر، ولم تقدم دليلاً واحداً على اتهاماته للمعارضة ووعيده بالعصف، كان المواطنون ينتظرون خطاباً من رئيس للجميع، موجهاً إلى الجميع، فإذا بهم أمام نفس الخطابات المغطاة، والتلميحات والإيحاءات، التى تعقد ما يفترض أن يكون بسيطاً، ويربع ما يفترض أن يكون مثلثا.
كان هناك من يتوقع خطابا للرئيس يهدئ من الاحتقان، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام حديث عن أصابع تلعب فى البلد، وأياد تعبث فى الديمقراطية.
انتقلنا من مرحلة الصناديق إلى مرحلة الأصابع، ولا نعرف ما هى قصة الأصابع التى تحدث عنها الرئيس مرسى، من دون أن يعلن كالعادة ماهية هذه الأصابع، ووجدنا أننا أمام كلام متغطى وتلقيح على المعارضة، واتهامات للنظام السابق، ورجاله، من دون أسماء أسماء. وكأننا لم ننته من الـ«1234567» الذين كانوا يتآمرون ويخططون فى حارة مزنوقة، وانتقلنا لمرحلة الصوابع التى تلعب فى مصر، ومن حيث أراد أن يعلن تسامحه مع من وجهوا إهانة لمقام الرئاسة، مد خيوط اتهامه إلى «البعض يستخدم وسائل الإعلام للتحريض على العنف»، ولم يخل حديث الرئيس من تلسين عن القضاء، قال: «نحترم أحكام القضاء والجميع يرى من يخرجون من السجن سيحصلون على مكافآت قريباً.. لكننا نحترم أحكام القضاء لازم».. فهل القضاء يحكم بما أمامه من وقائع وأوراق وأدلة يفترض أنها تقدم من السلطة التنفيذية أم إنه يريد إدانة من دون أدلة؟. الاتهامات المغلفة توجهت للنظام السابق، ورجاله ممن خرجوا من السجن، ثم عرج على المعارضين بالمتغطى بأنهم متورطين، وهو ما قد يعنى تحالف بين المعارضة والنظام السابق، وهى اتهامات خطيرة، لو ثبتت جريمة، وإذا كان الرئيس يتهم فهو يمتلك معلومات، تتجاوز مجرد كلام عن صوابع، وتصل إلى «الأرجل والكيعان والرقاب»، لكننا اعتدنا الاستماع إلى اتهامات أيام الحارة المزنوقة ولم نر متهما. وسوف يسعد كل مواطن لو توصلت جهات التحقيق إلى المتورطين هنا أو هناك، وتقديمهم لمحاكمة ومعاقبتهم، قبل النزول إلى «منحدر الصعود» الذى يشبه مثلثات التربيع، أو دوائر المستطيلات.
الشعب كله ينتظر الإعلان عن نتائج التحقيقات مع «صباعين تلاتة بيلعبوا جوا مصر»، وكنه ونوعية هذه الصوابع وطولها ولونها وهل هى صوابع معروفة أم مجرد صوابع خفية، تلعب فى العملية الديمقراطية، والدوران حول «الطلوع النازل.. والدوران الماشى». لقد كانت كلمات الرئيس متزامنة مع حصار أنصاره لمدينة الإنتاج الإعلامى، واعتداءاتهم على الإعلاميين، وبدا أن الحديث يفتح بابا أخضر لمزيد من العنف، لقد أعلن الرئيس لأنه رئيس لكل المصريين، وهو أمر لايزال أحد أهم الأمانى والأحلام لدى المصريين، الذين يرون خلطاً بين النقد والمعارضة، وخلطا بين من كانوا يعارضون مبارك ومن كانوا من رجاله، وخلط أهم بين الجماعة والإرشاد والرئاسة، والحكومة والتشريعى والتنفيذى والقضائى، وهو خلط مقصود، يقود إلى منحدرات تطلع إلى منحدرات ولا تؤدى لشىء.