ألهذه الدرجة أصاب العمى السياسى نفوسنا وقلوبنا، ألهذه الدرجة تمكنت «سوسة» المصالح من النخر فى عقولنا، وأصبح البعض منا يرى خطأ جماعته صوابا حتى ولو كان ممزوجا بالدم، والبعض الآخر يرى كوارث تياراته وأحزابه فعلا مقدسا لا يجوز نقده أو السخرية منه حتى ولو كان مخلوطا بما هو تافه وفاسد من الأمور؟!
ألهذه الدرجة يجبن أبناء التيارات المدنية ويغضون عقولهم وأبصارهم عن رؤية الفضيحة التى قامت بها حركة 6 إبريل أمام منزل وزير الداخلية بالملابس الداخلية، ويسعى أغلبهم لتبرير الفعلة الحمقاء أخلاقيا وسياسيا، لمجرد أن الحركة فى صف المعارضة؟ ألهذه الدرجة يكذب ويدلس ويبرر أبناء تيارات الإسلام السياسى رقصات أحمد المغير وشباب الإخوان العارية وضرب الفتاة أمام مكتب الإرشاد، لمجرد أنهم أعضاء فى الإخوان وأنصار للرئيس ومضطرون للالتزام الحزبى ونسمع لقيادات الجماعة ونؤمن بأننا الأرقى والأكثر إدراكا من باقى البشر.
لا أعرف كم المرات نحتاج إلى نشر قولة الإمام على بن الحسين: «العصبية التى يأثم صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم».
كم مرة أحتاج إلى إعادة نشر تلك الحكمة الإخلاقية الرائعة؟ كم مرة أحتاج إلى أن أعيد على مسامعكم ألفاظا من قبيل أن الحق أحق أن يتبع، وأن مصر وناسها وبسطاءها أهم بكثير من قيادات جبهة الإنقاذ ومكتب الإرشاد والرئيس مرسى نفسه؟!
كم مرة نحتاج إلى القول والتأكيد على أن بعضا من أفعال حركات المعارضة، وخاصة 6 إبريل فى شهورها الأخيرة، مشبوهة وتدخل تحت بند المراهقة والهرتلة بصحبة تصرفات القصر الرئاسى والرئيس شخصيا.
حركة 6 إبريل تعانى منذ فترة ترنحا سياسيا وأخلاقيا غير عادى بداية من انشقاق الحركة، ومرورا بمعارك أفرادها وانتهاء بحدوث اشتباكات بين أعضائها وتبادل اتهامات الخيانة والعمالة على طريقة مبارك الأمنية القديمة.
منذ شهور لم يكن عاديا، وربما يكون أخطر مما تتوقع أن تسمع عن وقوع انشقاقات واشتباكات بين أبناء حركة 6 إبريل المنقسمة على نفسها إلى جبهتين الأولى تحمل لقب الديمقراطية، والثانية تحمل لقب أحمد ماهر، ولكن كل جبهة فيهما الآن تحمل فى جوفها انشقاقا جديدا يهدد بتفتيت الحركة إلى الأبد.
الأغرب فى مناوشات واشتباكات وانشقاقات 6 إبريل أن أفراد الحركة الذين طالما اشتكوا من التدخلات الأمنية ومن طريقة الأحزاب السياسية والإخوان فى الخصومة المحشوة باتهامات التخوين والعمالة، لجأوا إلى استخدام نفس الأساليب التى طالما وصفوها بالقذرة، وتبادلوا اتهامات الخيانة والعمالة وزادوا عليها استخدام البلطجة والضرب فى الشوارع.. ويمكنك أن تراجع المناوشات الخاصة بأحمد دومة ومحمود عفيفى وطارق الخولى مع الحركة بعد الخروج منها لتكتشف الكارثة الأخلاقية والسياسية التى تعانى منها 6 إبريل الآن.
وبعيدا عن هذه المناوشات والوقائع التى ستأخذ مثل غيرها وقتا طويلا ومربكا لإثباتها أو نفيها، خاصة مع وجود شهادات مختلفة نابعة من كل جبهة وكل طرف وكل اثنين أو وثلاثة انشقوا أو بقوا ورأوا فى أنفسهم مناضلين كبارا ومؤسسين أوائل، بعيدا عن كل هذا الحكى سيبقى معنى واحد حان وقت استخلاصه والحديث عنه بصراحة.. معنى يقول إن الصف الثورى بحركاته وائتلافاته وأحزابه يعانى من خلل ما وتغير حاله من وضع اليد الواحدة إلى وضع الأيادى المتعاركة، ومن الأصوات التى تهتف بشعار واحد إلى الأصوات التى يهتف كل منها ضد الآخر فى دلالة تقول إن المنحنى الخطر الذى تسير فيه مصر والثورة الآن لم يأت من فراغ، بل لأن صناع الثورة انشغلوا عنها وفعلوا مثلما فعل أهل «أحد» حينما تركوا الميدان وهرولوا لجمع الغنائم.. فلم يحصدوا من خلف تلك الهرولة إلا الانشغال عن هدف الثورة الأسمى، والدخول فى معارك جانبية جعلت كل طرف يشعر وكأنه الأحق بالثورة ومغانمها.. وبناء عليه انتهى المشهد إلى ما تراه أنت الآن يا سيدى.. معارك دموية بين الحركات الثورية والإخوان والسلفيين والاشتراكيين والبسطاء الذين كانوا جميعا فى يوم ما «إيد واحدة» داخل الميدان الذى يسعون الآن إلى تحويله لسلاح لاقتناص مكاسبهم الشخصية بعد أن كان سلاحا لاقتناص مصلحة الوطن.