ظل حلم الاستقلال الكامل للقضاء المصرى من نفوذ وسيطرة السلطة التنفيذية، يراود القوى السياسية المصرية بشكل عام، ورجال القانون وفى القلب منهم رجال القضاء على مدار السنوات السابقة على قيام الثورة، وبعد قيام ثورة يناير اعتقدنا أن الحلم بات أقرب إلينا من حبل الوريد، لا سيما أن قيادات تيار الاستقلال قد اعتلوا مناصب رئيسية ومنها وزارة العدل، وهنا نطرح السؤال هل فعلا تحقق الاستقلال الكامل للقضاء المصرى؟
بعد انتخاب الرئيس مرسى أصدر الإعلان الدستورى الاستبدادى الذى حصن قراراته من الطعن عليها، وأقال بموجبه النائب العام الدكتور عبدالمجيد محمود وعيّن مكانه النائب العام الحالى، الأمر الذى أدى إلى ثورة أعضاء النيابة العامة الذين شعروا بطعنة غادرة فى جسد ورأس النيابة العامة، ونتج عن ذلك فعلا توقيع النائب العام على استقالة سرعان ما تراجع عنها، وادعى أنها كانت تحت التهديد من أعضاء النيابة الذين هم وكلاؤه، واستمر فى منصبه رغم رفض أعضاء النيابة والقوى السياسية للطريقة التى جاء بها النائب العام، وأصبح من مطالب القوى السياسية الرئيسية هو تنحى النائب العام وقيام مجلس القضاء بصلاحياته فى ترشيح نائب عام جديد، إلا أن السلطة والرئيس تمسكوا بموقفهم. فى الحقيقة لقد تأكدت مخاوف القوى السياسية من رغبة الحكم فى السيطرة على منصب النائب العام بغرض الانتقام من الخصوم وتسييس المنصب، ونشير إلى الأدلة الدامغة على هذا، أولها ما ورد فى مذكرة المستشار مصطفى خاطر المحامى العام الذى أثبت فيها تدخل النائب العام لديه من أجل حبس المقبوض عليهم ظلما من أمام قصر الاتحادية فى محاولة للتستر على ارتكاب جرائم تعذيب أمام القصر، الدليل الثانى هو إصدار مذكرة ضبط وإحضار لعدد من النشطاء السياسيين الذين دعوا للتظاهر السلمى أمام مقر مكتب الإرشاد، بسبب ما شهده من اعتداء شباب الإخوان على عدد من النشطاء وصفع امرأة بالقلم، فى الوقت الذى لم تتحرك البلاغات التى قدمها محامون ومنظمات حقوقية ضد نشطاء من الإخوان فى جرائم شديدة الخطورة.
فى الحقيقة، هذا يجرح نزاهة واستقلال النيابة العامة ويبدد الثقة فيها كوكيل عن الهيئة الاجتماعية والممثلة له فى رفع الدعوى الجنائية، وهى خصم شريف ولا يجب أن تكون ذات مصلحة فى إقامة دليل الاتهام قبل شخص لخصومة سياسية أو اجتماعية. لذلك إذا رأى عضو النيابة العامة أو القاضى أن هناك من الأسباب ما يمنعه من مباشرة اختصاصه كأن تكون له مصلحة أو أن أحد أطراف الدعوى أو القضية له صلة قرابة فعليه أن يتنحى فورا، فإذا كان النائب العام نفسه هناك شكوك فى أنه يمثل السلطة التنفيذية وبالتحديد الرئيس، ويكون الرئيس فى خطابه قد أشار إلى ضيقه من المعارضين وتهديده لهم باتخاذ إجراءات ضدهم ثم يلى ذلك صدور قرارات ضد النشطاء ثم تتداول أقوال أن هناك شكاوى تطال تقريبا كل قيادات المعارضة وجبهة الإنقاذ، فى الوقت الذى تغاضى فيه النائب العام عن جرائم ترتكب من مقدمى البلاغات تمت بالمخالفة لنصوص قانون العقوبات الباب الثانى ومنها استخدام الإرهاب لتعطيل مؤسسات الدولة مثل المحكمة الدستورية ومحكمة القضاء الإدارى ومدينة الإنتاج الإعلامى والاعتداء على جريدة الوطن وجريدة الوفد والاعتداء على الإعلاميين، ألا يعد هذا معايير مزدوجة وافتقاد للاستقلال والحيدة، الأمر الذى يفقد الثقة فى النيابة العامة كخصم شريف؟ فهل يعيد حكم محكمة الاستئناف الأمور إلى نصابها ويستقيل النائب العام ويعين مجلس القضاء نائبا عاما ينقذ القضاء واستقلاله.