إذا أراد الرئيس محمد مرسى أن يعيد الأوضاع السياسية المتأزمة إلى نصابها الصحيح ويعالج الخلل فى مسار التحول الديمقراطى فعليه أن يثبت بالفعل احترامه لسيادة القانون واستقلال القضاء ويعلن التزامه بحكم محكمة الاستئناف ببطلان تعيين النائب العام الحالى المستشار طلعت عبدالله. صدور الحكم التاريخى لمحكمة الاستئناف يعتبر فرصة تاريخية حقيقية أمام الرئيس لبدء صفحة سياسية جديدة تختزل الكثير من الأزمات فى حالة الالتفاف على الحكم واستمرار سياسة العناد. الرئيس عليه أن يستمع لآراء شيوخ القضاة وأساتذة القانون بشأن الحكم الواجب النفاذ لأنه حكم نهائى، ولا يستمع فقط لمستشاريه القانونيين من محامى الجماعة الذين ليس لديهم الخبرة والمعرفة الكافية ولا يتمتعون بحس سياسى، وأدت آراؤهم وفتاواهم القانونية إلى تأزيم وتعقيد الوضع السياسى فى مصر.
والمسألة هنا ليست فى عودة المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه وهذا حقه القانونى، وإنما فى إبداء مؤسسة الرئاسة احترامها للقضاء وأحكامه وتفكيك الأزمة بينها وبين القضاء عقب أزمة تعيين النائب العام الجديد بعد الإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر 2012.
الرئيس مرسى عليه أن يعلن التزامه بحكم الاستئناف ويحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للقضاء لاختيار نائب عام جديد وتنتهى الأزمة التى قد تكون بداية حقيقية وجادة لتجسير أزمة الثقة بين الرئاسة والمعارضة التى تسبب فيها الإعلان الدستورى، ثم يبدأ فى إعلان حوار سياسى جاد بأجندة واضحة للخروج من الأزمة لوضع خارطة طريق جديدة تنقذ مصر من حالة الانقسام والاستقطاب الحاد الذى يؤدى إلى العنف والاحتراب، مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادى والانفلات الأمنى.
قرار الرئيس بشأن حكم محكمة الاستئناف سوف تتوقف عليه أمور كثيرة ويحدد المسار السياسى للمرحلة المقبلة، فإما أن ينهى القبول واحترام القضاء الأزمة بين الرئاسة والقضاء والمعارضة، وإما أن يؤدى العناد والاستمرار فى عدم الاحترام للقانون والالتزام به إلى مزيد من الأزمات والاحتقان السياسى والعنف الاجتماعى، ويعطى مؤشرا خطيرا لكيفية إدارة شؤون الدولة فى ظل غياب دول القانون والمؤسسات واستمرار تغول السلطة التنفيذية على باقى سلطات الدولة، وهو ما يؤسس لشريعة الفوضى التى قد تدخل البلاد فى دوامة العنف وتدفع بها إلى مصير مجهول.
نحن فى انتظار قرار الرئيس الذى يقى مصر والمصريين شرور الفتنة والانقسام.