حين قمنا بثورة يناير، وانتفض الشعب المصرى فى وجه الظلم وخرج المارد من قمقمه، لم يكن للثورة زعيم، ولم يحركها قائد، بل أوقد شعلتها شباب لا نعرف أسماء أغلبهم كانوا وقودها وشهداءها ومصابيها، لم تظهر أسماؤهم على صفحات الجرائد ولم يصبحوا بعد الثورة نجوما فى الفضائيات، لم يتزعم الثورة أو يقودها أو يحركها هؤلاء الذين يصدعون رؤوسنا ليل نهار على الفضائيات بأحاديث ينسجون فيها بحناجرهم بطولات وهمية ويتزعمون جبهات خراب ودمار، أو هؤلاء الذين يتزعمون أحزابا وجماعات وصلت للسلطة أو تسعى للوصول إليها حتى وإن كان ذلك على جثث شباب هذا الوطن.
والآن وبعد مرور أكثر من عامين على ثورة يناير مازالت دماء الشباب تسيل هنا وهناك يصنفها أصحاب الأغراض، فهذه دماء إخوانية تنتمى للسلطة وتلك دماء من صفوف المعارضة، هذه سالت فى الاتحادية وتلك أمام مقرات الإخوان، هذه فى مظاهرة ضد الرئيس وجماعته وتلك من بين مؤيديه وأنصاره.
جماعة يخرج شبابها وأنصارها بتشجيع من قياداتها ليشتبكوا مع معارضيها وكأنهم فى حرب يجاهدون فيها ضد أعداء الإسلام، وجبهة ومعارضة تعطى غطاء للعنف وتشجع الشباب على الخروج فى مظاهرات وتجمعات وهى توقن أنه سيسفر عنها حمامات دماء تنزف من قلب مصر سواء من مؤيدى الرئيس أو من معارضيه وكأنها دماء أعداء الوطن، ورئيس فقد هيبته وفشل فى أن يصبح رئيسا لكل المصريين.
لم يعد هناك كبير فليس فى كل هؤلاء الذين يدعون الزعامة رجل رشيد، كلهم زعماء من ورق، زعماء أمام الميكرفونات والشاشات فقط، يطلقون الشعارات الرنانة بينما تتفجر أنهار الدم المصرى بأيديهم أو بتشجيعهم أو حتى بصمتهم ينتظرون أمام الشاشات كى يحصوا أعداد القتلى فيقف كل منهم كالندابة التى تعمل بالأجر ينعون الضحايا ويؤججون مزيدا من نيران الفتنة.
لقد انكشفت وجوهكم القبيحة وزالت أقنعة زعاماتكم الزائفة وانغمست أياديكم فى الدماء وبفضلكم قتل المصريون بعضهم بعضا، فكفاكم ندبا، كلكم على اختلاف توجهاتكم وانتماءاتكم، معارضة وسلطة، أقلية أو أغلبية، جماعة أو جبهة لا تمثلوننا طالما لم تفزعكم دماؤنا، ولم تتحركوا لحقنها، بل كنتم أسباب إراقتها.
يا من ترقصون على الجثث كلكم لا تصلحون أن تكونوا كبارا أو زعماء أو قادة. وإن كان "إللى مالوش كبير بيشترى له كبير" إلا أننا لن نشتريكم لأنكم لا تستحقون فلستم كبارا ولم تحاولوا أن تكونوا كذلك.
والأصلح لنا أن نقول "مالناش كبير" على أن نسير خلفكم، فليس منكم رجل رشيد، يعمل لمصلحة مصر وشبابها لا لمصلحته الشخصية أو مصلحة جماعته، ليس منكم من اهتز لدماء الشباب فحاول حقنها بمراجعة مواقفه، ليس منكم من تقدم ثورة يناير ولكن أغلبكم وقف فى الصفوف الخلفية ينتظر النتائج ثم صعدتم على جثث الشهداء، ليس منكم من رحم صغارنا وشبابنا الذين يموتون يوميا بينما أنتم واقفون أمام الكاميرات تذرفون دموع التماسيح وتنتظرون مزيدا من الدماء والأشلاء.
لن نشترى كبيرا منكم فكلكم صغار وسنبقى "مالناش كبير" حتى يظهر كبير يلملم الجراح ويحقن الدماء ويستحق أن نسمع له ونصدقه ونشتريه.