دعنى يا صديقى أسألك وأسأل نفسى معك بعض الأسئلة الكاشفة، ودعنا نحاول معا الإجابة عنها بصدق:
هل تشعر بالغضب حين تسمع أو تقرأ رأيا يخالف رأيك أو وجهة نظر مغايرة لما أنت مقتنع به؟
هل هذا الغضب دائم فى كل خلاف أم أنه يختلف حسب نوع الخلاف وطبيعته؟
وهل كل الخلاف فى نظرك أمر عقدى دونه الرقاب أم أنك ممن يفرقون بين أنواع الخلاف؟
وهل تسىء الظن بمخالفك، وتتسابق إلى ذهنك قائمة اتهامات لنيته وقصده، وتبدأ فى محاسبته عليها، وقد ترسخ لديك أنها دوافعه المؤكدة لهذا الرأى أو الاختيار؟
هل تلاحظ تغير رأيك فى الشخص، أو حتى تغير صدرك نحوه حين يخالفك، حتى لو كنت من قبل محبا له؟ وإن كنت كذلك فبعد كم مخالفة تتغير نحوه؟ وهل مخالفة واحدة تكفيك أم أن حكمك تراكمى متزن؟
هل «استسهلت» وحكمت على مخالفك وصنفته فور اختلافه معك أم أنك ناقشته وتبينت منطقه قبل إطلاق حكمك عليه؟
هل تدخل النقاش فقط بغرض إقناع مخالفك، أم يكون لديك احتمال ولو يسير أن تغير رأيك بعد الحوار؟
هل تغضب لأشخاص بأعيانهم دون غيرهم؟
هل يختلف تقييمك ونظرتك للفعل وتقبله إذا صدر عمن تؤيدهم بخلاف إذا ما صدر بحذافيره عمن تخالفهم؟
هل تتذكر متى كانت آخر مرة رأيت فيها أن من تؤيدهم أخطأوا؟ وهل أنكرت عليهم حينها وعاملتهم كما تعامل مخالفيك الآخرين أم أن رد فعلك اختلف و«طنشت»؟
هل من طبيعتك إبدال رأيك بالكامل تماشيا مع رأى من تؤيدهم كلما تبدل رأيهم أو تراجعوا عن مواقفهم التى كنت تدافع عنها منذ برهة لتعود وتبرر مواقفهم الجديدة؟
وهل تتخلى عن خلقك وأدبك فى الحوار وتخلعهما على عتبة الخلاف فى الرأى، لتستبيح وصف مخالفك بكل منقصة؟
إن كانت الإجابة بـ«لا» على كل ما سبق أو أغلبه فهنيئا لك، أنت متجرد منصف باحث عن الحق ملتزم بحدوده وآدابه وقيم الوصول إليه. لكن إن كانت الإجابة بـ «نعم» فللأسف أنت فى مشكلة كبيرة. إن دلالة وجود تلك الأفعال التى تضمنتها الأسئلة فى تصرفاتك تشى بوضوح بأنك لا تطيق الاختلاف، وأنك تقدم سوء الظن فى مخالفيك، ولا تضع اعتبارا قط لكونهم قد يكونون على حق، أو على الأقل طالبين للحق، وتشى أيضاً بأنك توالى وتعادى على أشخاص معينين، وتعرف الحق بهم ومن خلالهم، وتغلق عقلك وقلبك عن غيرهم.
باختصار تشى بأنك متعصب يا صديقى.
أقولها لك هكذا وعلى بلاطة.
إن كانت إجابتك على تلك الأسئلة بالإيجاب، وتقع فى تلك الأمور التى تضمنتها أو بعضها، فللأسف الشديد أنت متعصب أو على الأقل فيك شىء من التعصب.
والتعصب يا عزيزى مرض خطير، ينبغى أن تدرك بشاعته لكى تستطيع التخلص منه، يكفى أنه يورث نوعا من أنواع العمى والصمم.
نعم عمى وصمم، ولعلك سمعت بحديث «حبك للشىء يعمى ويصم»، وهو على ما فيه من ضعف فى الإسناد إلا أن صحة معناه تترسخ لدى كثير من الناس يوما بعد يوم. تترسخ ونحن نشهد تلك الأمور التى سألت نفسى وإياك عنها فى تلك الأسئلة التى قدمت بها للمقال، والتى صار بها الحب والاتباع عصبية مقيتة، تُعمى الأبصار عن رؤية أى حقيقة مخالفة، وتصم الآذان عن سماع أى رأى مغاير.
ذلك العمى والصمم عرَض بسيط ومبدئى لذلك المرض العضال، مرض «التعصب»، الذى لا يستشرى فى جسد أمة إلا وهنت، وتمزقت أطرافها، وصارت إلى ضعف وانتكاس فكرى وحضارى محتوم، وربما يؤدى إلى كوارث أكبر حين تترجم تلك العصبية إلى كراهية وتنازع وفُرقة.
وبداية العلاج لأى مرض أن يعرف المريض أنه مريض وأن يستشعر حاجته للعلاج، لذلك يحتاج كل منا أن يجيب بصدق هذا السؤال: هل أنا متعصب؟
وللحديث بقية إن شاء الله.