أوجه هذه الكلمات لأعضاء جماعة "الإخوان"، شبابًا وقيادات، لمن يريد أن يستمع ويصغى، لمن يؤمن أن "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب"، لمن يتذكر قول سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه "أصابت إمرأة وأخطأ عمر"، ولمن يدرك المغزى العظيم لما قاله رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حين سأله الصحابى الجليل الحباب بن المنذر "أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟".
لهؤلاء أتحدث، أما من يعتقدون أنهم منزهون عن الخطأ، ورأيهم دائمًا هو الرأى السديد، وأن الآخرين دائمًا على باطل، ولديهم قصور فى العقل أو الدين، فهؤلاء لن يفهموا ما قصدته من هذا المقال، ولن يعوا الفرق بين من يهاجم من أجل أغراض شخصية أو بسبب كراهيته للإخوان ومن ينتقد من أجل إصلاح الأخطاء.
كما أننى لا أتحدث لهؤلاء الذين يطالبون بإسقاط النظام عن طريق الحرق وقطع الطرقات وإغلاق الميادين، ويريدون رئيسًا وبرلمانًا على هواهم، فإذا لم يتحقق لهم مايريدون، يضربون برأى الشعب وإرادته عرض الحائط، ويكفرون بالديمقراطية وآلياتها.
لقد فضلت أن أنشر هذا المقال بعد انتهاء الاحتجاجات التى تزامنت مع الذكرى الثانية لـ25 يناير، لأن نشره أثناء تلك الاحتجاجات، وفى الوقت الذى كانت فيه أشجار الاتحادية تحترق، بل وكل مؤسسات الدولة، تحت مرمى النيران، لن يجد آذانًا صاغية بسبب الضغط النفسى والمعنوى، كما أن نشره فى هذا التوقيت كان سيكون ركوبًا للموجة، ولست أرى أن فى ذلك مهنية أو على الأقل ليس هو التوقيت المناسب للنقد، أما الآن فبعد أن هدأت الأمور، إلى حد كبير، أرى لزامًا علينا أن نواجه الشركاء فى الوطن بكل صراحة ووضوح.
بادئ ذى بدء، فإننى أؤمن أن معظم المنتمين للتيار الإسلامى، بفصائله المختلفة مؤمنون بما يدافعون عنه، ومخلصون له، وضحى بعضهم من أجل دينهم ووطنهم طوال سنوات القمع والقهر، ولست أؤمن، أن أبناء التيار الإسلامى تجار دين كما يدعى البعض، بل أؤمن أنهم يسعون لخدمة المشروع الإسلامى، وهم فى ذلك، يجتهدون، فيصيبون فى مواقف ويخطئون فى مواقف أخرى، ولذلك وجب علينا مواجهتهم بأخطائهم، والمؤمن الفطن هو من يراجع نفسه ويسعى لمعرفة أخطائه من أجل إصلاحها، وليس تبرير الخطأ والدفاع عنه.
أعتقد أن الحدث المحورى، الذى يمكننا أن نبدأ منه ونقيس عليه العديد من الأخطاء، هو قرار جماعة الإخوان المسلمين، والذى يُعد أحد أهم القرارات التى اتخذتها الجماعة بعد الثورة، وربما منذ عقود، بالدفع ـ على خلاف تعهدها السابق ـ بالمهندس خيرت الشاطر للترشح فى انتخابات رئاسة الجمهورية.
ومع احترامنا لحق أى حزب أو فصيل فى أن يغير موقفه وفقًا للمستجدات فى الساحة السياسية المتغيرة بطبيعتها، فإنه بالنسبة لفصيل له خلفيته الدينية والقيمية، كان يجب على الأقل، أن يصارح الشعب، بأسباب منطقية وقوية لهذا التغير فى موقفه، حتى لا يقلل ذلك من مصداقيته وحتى لا يخسر جزءًا من مؤيديه.
فضلاً عن ذلك، فإن من رفضوا هذا القرار أو تحفظوا عليه، كان أحد دوافعهم فى ذلك، أن هذا القرار يمكن أن يؤدى إلى إخفاق كافة مرشحى التيار الإسلامى والثورى فى حالة استمرار الشيخ حازم أبو إسماعيل فى المنافسة، لأن أصوات التيار الإسلامى فى هذه الحالة كانت ستتفتت بين مرشح الجماعة وبين أبو إسماعيل وأبو الفتوح والعوا.
حين تحفظنا على قراركم، بترشيح الشاطر للرئاسة، لم نكن أبواق فتنة، كما وصفنا بعضكم، ولم يكن من رفضوا القرار بأكملهم يمقتون الإخوان حتى تقولوا لهم "موتوا بغيظكم"، بل كان بعضهم فى قمة الأسى والغضب، ويشعر أن فخًا نُصب للجميع، إسلاميين وليبراليين وثوار، لما سيؤدى إليه ذلك من تفتيت لأصوات معسكر التيار الإسلامى ـ الثورى.
قد يقول البعض إن الدكتور محمد مرسى مادام قد نجح فى الانتخابات الرئاسية، فإن الأمر قد انتهى بالفعل، وهذا القول مردود عليه، لأن هناك قاعدة تعلمونها جيدًا "وهى أن درء الضرر مقدم على جلب المنفعة"، كما أن هذا القرار، وتداعياته مازالت تؤثر على المجتمع ككل، ويتجلى ذلك فى الاحتقان والاستقطاب الموجود فى الشارع، فضلا عن فقدان الثقة والمصداقية تجاه الإخوان والحزب الحاكم، وكلها أمور تهدم تكاتف المجتمع وتعرقل أى بناء.
كان ينبغى أن تدركوا، فى إطار مصارحة النفس وتقييم المرحلة الماضية، أن كثيرًا ممن عارضوا أو تحفظوا على دفع الإخوان بمرشح لهم فى الانتخابات الرئاسية، هم أنفسهم الذين دعموا فى جولة الإعادة الدكتور مرسى، فى مواجهة مرشح النظام السابق، ولذلك فإن هذا الانحياز من قبل الملايين للثورة والتغيير هو الذى أنقذ جماعة الإخوان وأنقذ مصر بأكملها من قرار به قدر كبير من المجازفة فى تلك المرحلة الحرجة، خاصة إذا كانت هناك خيارات أخرى قد تكون أقل ضررًا.
لقد وقف إلى جانبكم فى جولة الإعادة السلفيون ومؤيدو الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح و6 أبريل وغيرهم من الأحزاب والحركات والمواطنين، وتلك المواقف المحترمة لأحزاب وأشخاص عبروا الحاجز النفسى والتجاوزات ضدهم وتخوفاتهم تجاهكم، هى من صنعت فارق الأصوات بين من صوتوا للدكتور مرسى فى الجولة الأولى ومن صوتوا له فى جولة الإعادة (الفارق حوالى 7.5 مليون صوت حتى لا ننسى).
هل فكرتم ماذا لو أن هؤلاء قد وقفوا ـ لن أقول ضدكم ـ ولكن على الأقل وقفوا على الحياد وقاطعوا مثل الآخرين؟ هل فكرتم ماذا كانت ستكون النتيجة وقتها؟ هل تتذكرون الصورة الرائعة فى فيرمونت؟ وحمدى قنديل ووائل غنيم وأحمد ماهر وغيرهم يقفون داعمين للدكتور مرسى.. أين هؤلاء الآن؟ ومن دفعهم للمعسكر الآخر؟ أين ذهب مستشارو الرئيس مثل د. سيف الدين عبد الفتاح والدكتور أيمن الصياد والدكتور عمرو الليثى وغيرهم من المستشارين البارزين؟ ولماذا لم يتم بذل جهد أكبر فى الحفاظ عليهم داخل مؤسسة الرئاسة؟
هل تذكرتم ذلك وبعضكم يشن حملات ضارية ضد كل من عارضكم فى الإعلان الدستورى أو الدستور؟ الآن الكثير من هؤلاء يقفون بجانبكم مرة أخرى ويطالبون باحترام الإرادة الشعبية ويرفضون إسقاط الرئيس بالعنف ويدعون الجميع للمشاركة فى بناء الوطن ولإكمال الرئيس لفترته.
هل إذا اختلف هؤلاء معكم مرة ثالثة أو رابعة سيبدأ الهجوم عليهم مرة أخرى أم ستدركون أن الاختلاف معكم فى بعض المواقف وتأييدكم فى مواقف أخرى هو أمر طبيعى فى الحياة السياسية، فليس كل من يختلف معكم، يمقت الإخوان أو لا يريد تطبيق الشريعة، بعضهم كذلك بالفعل!! وبعضهم خلافه معكم أبعاده مختلفة تمامًا، والدليل على ذلك الخلافات أحيانًا بينكم وبين حزب النور والوسط ومصر القوية وغيرها من الأحزاب.
ينبغى أن تعترفوا أنكم خالفتم تعهدات واتفاقات وتراجعتم فى قرارات، ولو كان رجوعكم عن قراراتكم اعترافًا بالخطأ أو لأن هناك مبررات قوية، وصارحتم الشعب بها، لازددتم شعبية ولزادت مصداقيتكم، ولكن للأسف، حتى الآن، لا نعلم مبررات للكثير من المواقف، وحين نناقشكم ونصل لنقطة معينة تتلاشى فيها المبررات المنطقية، يكون الرد "ليس كل ما يعرف يُقال".
لقد تسبب تبريركم للعديد من الأخطاء والانتهاكات فى أن يفقد تيار مهم الثقة فيكم، وتسبب فى زيادة الفجوة بينكم وبين البعض الآخر، وزاد الطين بلة، تعهداتكم، بوعود مبالغ فيها، ومن الصعب تنفيذها، لم يكن آخرها، التعهد بتعيين أربعة نواب للرئيس، أحدهما قبطى والآخر امرأة.
علينا أن ندرك أنه إذا كان هناك بالفعل من يريدون أن يظل الإسلام بعيدا عن الدولة، ولا يريدون أى دور للإسلاميين فى الحكم، فهناك أيضًا من مشكلتهم ليست مع الإسلام، ولكن مع الإخوان تحديدا، ولديهم احتقان شديد تجاهكم، وهناك أيضًا، من يتخوفون من تجربة حكم الإسلاميين فى أفغانستان وإيران، وهناك فريق رابع، ليس له عداء مع الإخوان ولا احتقان تجاهكم، ولكن يدعمكم فى بعض المواقف ويرفض مواقف أخرى، أى أن خلافه معكم سياسى بحت.
ينبغى أن ندرك أنه إذا كان "السمع والطاعة داخل الجماعة" أو "الالتزام الحزبى داخل أى حزب" يعد أمرًا مبررًا بل ومنطقيًا فى بعض المواقف، فإن إجماع المجتمع بأكمله على رأى معين هو أمر لم يحدث فى أى دولة ولا فى أى عصر، ولذلك، فإنه إذا كان هناك بالفعل من يعارضكم الآن وسيعارضكم فى المستقبل حتى لو كنتم على حق، بسبب رفضه القاطع لكم وللتيار الإسلامى بشكل عام، فإن هناك من يعارضونكم بسبب أخطائكم أو لأنهم غير راضين عن الأداء السياسى.
ليس من قبيل المنطق أن نضع الجميع فى خندق واحد، لأنكم بذلك، ستخسرون تيارات ومجموعات ومواطنين غير منتمين لأحزاب كان يمكن تبديد مخاوفهم وإزالة أسباب احتقانهم ليشاركوا فى بناء الوطن، أما الدخول فى عداءات مع أشخاص أو تيارات أو أحزاب، لمجرد أنهم غير راضين عنكم فى موقف معين، فإن هذا هو ما يحول المختلفين معكم فى الرأى إلى أصحاب خصومة مستمرة معكم، وسيجعلكم تخسرون صديقًا كل يوم، بعد أن كنتم فى عهد مبارك تكسبون كل يوم أخًا أو محبًا.
إن الفرصة مازالت أمامكم، وجماعة الإخوان المسلمين بما تملكه من إمكانات بشرية ومادية وقدرة تنظيمية، فضلاً عن إلمامها بمشكلات المجتمع نتيجة احتكاكها المباشر بالمواطنين على مدار عقود، تستطيع أن تسهم فى بناء الوطن وأن تقود المجتمع بالتعاون مع الفرقاء السياسيين الآخرين خلال هذه المرحلة الدقيقة.
ولكن ذلك يتطلب منكم أولا القضاء على حالة التوجس والشك بين جماعة الإخوان والمعارضين لها، ومد جسور الثقة مع المختلفين معها، والحوار والالتزام بنتائج الحوار، والتعامل مع الآخرين على أنهم شركاء، والاستعانة بالخبرات والكفاءات فى كافة المجالات، أيًا كانت انتماءاتهم، فتكاتف أبناء الوطن واتحادهم هو ما يقود المجتمعات للأمام ويصنع الحضارات.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح
حضرتك تؤذن فى مالطة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد سيف الحق
دائرة الوطن هي الأشمل من دائرة الإخوان
عدد الردود 0
بواسطة:
بلال
نعم النصحية