لابد أن تتذكر هذه النكتة التى شاعت فى عهد الاتحاد السوفيتى قبل تفككه. كان ليونيد بريجنيف رئيس مجلس السوفييت الأعلى (رئيس الدولة)، يقود حكما قمعيا وأجهزة الأمن تسيطر على كل شىء.. وشاعت نكتة تقول إن مواطنا سوفيتيا وقف فى الميدان الأحمر وهتف «يسقط بريجنيف الحمار»، وتم القبض على المواطن وإحالته للمحاكمة، وحكم عليه بالسجن 25 عاما، خمسة منها لإهانة الرئيس بريجينيف ووصفه بالحمار، وعشرون عاما لأنه أذاع سرا من أسرار الدولة!
لابد أن تتذكر هذه النكتة وأنت تتابع مايجرى من مطاردات قضائية للإعلام، خاصة البلاغات التى قدمها عدد من أنصار السلطة ضد الإعلامى الساخر باسم يوسف، بتهم منها إهانة الرئيس، وازدراء الأديان، وهى اتهامات تكشف عن عقلية سياسية وقانونية جرداء. باسم يوسف كل مايفعله أنه يعيد عرض كلمات وخطابات سياسية للرئيس وعدد من السياسيين، الذين لايمكن اعتبار أى منهم هو الإسلام، بل إن بعض هؤلاء يسيئون للإسلام أكثر كثيرا مما يفعل المتهمون بالإساءة، مثل باسم يوسف، أو إبراهيم عيسى، المتهم هو أيضا بالإساءة والازدراء، مع حشد من إعلاميين يواجهون بلاغات تتهمهم بالإساءة والازدراء، وهى تهم مطاطة، ولايمكن الإمساك بها من أسفل أو أعلى.
نحن أمام اتهامات مطاطية وغائمة، ترجع لمواد فى قوانين العقوبات، تم وضعها من أيام الاستعمار الانجليزى، ويبدو من شكل البلاغات أنها تجمع خلطة من التهم، بحيث إذا أفلت المتهم من الإهانة يقع فى الازدراء. ولنا أن نتخيل إعلاميا ساخرا مهما كان مايقوله، يهدد أمن الدولة، أو يمثل ازدراء للدين، أو إهانة للرئيس، وهو أمر فى عرف التسلط يعد نوعا من الغباء السياسى وسقوط الحصافة، وهذه النوعية من الاتهامات لاتتم إلا فى الأنظمة القمعية المغلقة، وفى الدول المحترمة.. مثل هذه البرامج والكتابات موجودة، ولا يتم الاقتراب منها باعتبارها نوعا من البرامج الشعبية التى تخلط الجد بالهزل، وتمنح البسمة للمواطنين والمشاهدين. وفى الولايات المتحدة تم وصف بوش بالغباء كثيرا، وفى بريطانيا السابق تم تصوير تونى بلير على أنه «كلب بوش» فى حروبه على العراق. ولم يتم اتهام من فعل ذلك بأنه يذيع سرا من أسرار الدولة.
وفى حالة باسم يوسف، يبدو أن ما يعرضه شكل نوعا من أسرار الدولة، لمجرد أنه يعرض فيديوهات يتحدث فيها الرئيس عن القرد والقرداتى، أو الأصابع التى تلعب.. وهى أحاديث وصور وأفلام معروضة.. وكل مايفعله باسم يوسف أنه يعيد عرض هذا الكلام، الذى يمثل فى حد ذاته إهانة، ونشرا لأسرار الدولة. ومن يعيد نشر ذلك والتعليق عليه، يتهم بإذاعة سر من أسرار الدولة عن القرد والحمار.