نحن بالفعل أمام حكومة تاريخية وجغرافية وتربية اجتماعية وعلوم وصحة وحساب مثلثات، عابرة للأحداث والأرقام والمصائب، لايهمها ما يحدث فى مصر، وتفضل السفر وتتفرغ للعمل السياسى. نقصد طبعا حكومة الدكتور هشام العالمية الدولية الأفريقية التى لم نعرف لها حتى الآن إنجازا غير الرحلات السياحية التى تنشط السياحة فى الخارج، وتتجاهل سياحتنا فى الداخل، وما يحيط بها من مشاكل أمنية وسولارية ودولارية وتنفسية. وتصر حكومة الدكتور هشام على السير عكس الاتجاه، وتبذل قصارى جهدها فى ممارسة مهام ليست من وظائفها، وتتفرغ لما هو ليس من مهامها، وتفضل التفرغ للعمل السياسى وترك المهام التنفيذية للقضاء والقدر.
رئيس الحكومة يتجاهل أزمات السولار والدولار والأمن والتضخم والطائفية والطرق والكبارى والمستشفيات، ويفضل الحديث فى الانتخابات، وأهمية وجود حكومته من أجل الديمقراطية والتعددية والطرق السياسية المتوازية. ومؤخرا تجشم رئيس الحكومة عناء السفر إلى كينيا ضمن رحلاته التى يبذل فيها الغالى والنفيس من أجل البحث عن أفضل طرق دعم الاقتصاد، والتعاون الوهمى مع العالم المحيط.
وقد يتصور البعض أن الدكتور هشام راح كينيا من أجل ماء النيل أو التعاون المصرى الأفريقى، والخروج من مخارج المداخل، لكنهم وجدوا أن الدكتور راح هناك ليتحدث فى تشكيل لجنة لتعديل الدستور، ولا نعرف ما علاقة كينيا أو ساحل العاج بقضية مصرية، وما وجه الاستعجال والتسرع الذى يمنع هشام من أن ينتظر حتى يعود إلى مصر ليبشرنا بهذه الهدية الغالية من حكومته، ولجنته لتعديل الدستور، وكأن الشعب ينتظر على نار من أجل لجنة الدكتور هشام الذى كان أحد المدافعين من قبل عن الدستور الذى يريد الآن تعديله، بعد ثبوت عدم صلاحية الكثير من المواد التى طبختها لجنة «الغريانى» فى ساعات، غير عابئين باعتراضات المعترضين وانتقادات المنتقدين.
رئيس الوزراء قال إن لجنته لتعديل الدستور محايدة، وطبعا هى فى درجة حياد كل المناصب التى يحصل عليها أهل الثقة وأهل الحظوة والخطوة، فضلا على حياد لجنة «أبلة نظيرة الدستورية» المحايدة التى شيطت الدستور وسلقته وأخرجته من جراب الحاوى. وبصرف النظر عن لجنة الدكتور هشام وحيادها، فمازال السؤال المنطقى الذى حير المراقبين والمتابعين والمضروبين: لماذا يعلن رئيس الحكومة عن قضية محلية فى كينيا؟! والأهم لماذا ينشغل رئيس الحكومة بالتعديلات الدستورية والانتخابات بينما حكومته عاجزة عن حل أزمة السولار المزمنة التى تتسبب فى قتلى وجرحى، أو أزمة العنف والغياب الأمنى والطائفية والعنف الطائفى فى مناطق مختلفة؟!
لقد اعتدنا من الدكتور رئيس الحكومة أنه أثناء كل حدث أو مصيبة يفضل السفر فى رحلة خارجية ربما ليريح أعصابه من وجع الدماغ، فالرجل لا يجد سببا للبقاء فى مصر، ومتابعة العنف الطائفى والنار المشتعلة، ويتصور أنه فعل ما عليه بمكالمة لتطييب الخواطر، أو تصريح وبيان، كما جرت العادة، ولا يجد فيما يحدث أزمة تلقى بظلالها وتسىء لصورتنا، ولا يبدو مشغولا بأزمات هنا، ويفضل الذهاب هناك و«يعدى البحر ولايتبلش».