كل هذا الحديث عن الخروج من عنق الزجاجة، ونحن نسير إلى مرحلة «رقبة القزازة»، والفرق واضح.. «رقبة القزازة» رمز لمعارك وأدوات البلطجة والسرقة بالإكراه، والانفلات الأمنى، كما أنها رمز لكل هذا العنف الذى يلتهم البلاد من كل اتجاه. سياسيًا حلت «رقبة القزازة» مكان الحوار، وانسدت كل طرق الحوار السياسى، وأصبحت الرئاسة وجماعة الإخوان والحكومة ومجلس الشورى فى جهة، وباقى الشعب بتنويعاته فى جهة أخرى.
انتقلنا من الحوار للعنف، وكل مناقشة ينتهى الأمر إلى دم، فى الاتحادية والمقطم، والخصوص والكاتدرائية. عنف سياسى، وعنف طائفى، وعنف فى الشارع، تحكمه «رقبة القزازة» وليس الحوار. الرئاسة لا ترى أنها تقصر، وترى الآخرين هم السبب، ولا ترى لديها دورا فى امتصاص الغضب، وتفضل تبنى وجهة نظر جماعة الإخوان تجاه الآخرين، وتعتبر كل اعتراض مؤامرة، وكل معارض خائنا يريد إسقاط الدولة، بينما الدولة نفسها بمؤسساتها وأعمدتها تغرق فى العشوائية والفوضى.
حكومة الدكتور هشام تبشر الناس بالخروج من عنق الزجاجة، وإذا بها بكل سياساتها وتصرفاتها تقود الناس إلى عنق أكثر ضيقا. معارك حول السولار والبنزين، وانفلات أمنى، وعجز وانقطاع فى الكهرباء، وأحوال متردية للمستشفيات والعلاج، والمرضى لا يجدون الكفن، وكل ما تفعله الحكومة أنها تبشر بقروض ومنح، ضمن حالة من الاستجداء الاقتصادى المهين، لا تبشر بخطط أو خطوات واضحة يمكنها إنقاذ الاقتصاد من التضخم، وفقدان الجنيه قيمته كل ساعة.
ومن الحكومة إلى مجلس الشورى الذى يفترض أنه يقوم بالتشريع ومواجهة المشكلات، لا يجد لديه الوقت لبحث الحال الاقتصادى، أو استدعاء الخبراء للبحث عن مخرج من عنق الزجاجة. المجلس الميمون مشغول بطبخ قانون انتخابات مجلس النواب، وفرض المزيد من الضرائب والدمغات التى يتحملها المواطن الفقير المعدوم الدخل ليندفع أكثر فى «رقبة القزازة»، ناهيك عن مضاعفة فواتير الكهرباء والغاز ورفع أسعار البوتاجاز، كلها تشكل «رقبة» ضيقة تقبض على عنق المواطن لتزيد حياته ضيقًا، وتطارده إلى ما بعد الاختناق. كل هذا وجماعة الإخوان ترى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، ينشغل قياداتها بالدفاع عن كل هذه الأحوال، وعن حكومة لا تمارس دورها، وتتفرغ لمهام أخرى غامضة، ورئيس وزراء يفضل الجولات الميدانية والرحلات الخارجية على مواجهة المهام العاجلة، وبحث الخطط الطويلة للخروج الفعلى من عنق زجاجة يضيق كل يوم، ويقذف بالمصريين، جزء إلى باطن الزجاجة، والبعض الآخر يتعارك فى العنق.
المصريون وطوال سنوات طويلة ينتظرون الخروج من عنق الزجاجة، لكنهم كلما تصوروا أنهم سيغادرون العنق إلى الخارج أو حتى الداخل، وجدوا أنفسهم يواجهون ضيقا، وكلما خرجوا من «نقرة» وقعوا فى «دحديرة». وعنق الزجاجة هو المسافة التى تفصل بين بطن الزجاجة والبراح خارجها، حيث الهواء والحركة الحرة.
وخلال شهور راهن المصريون على الخروج من الزجاجة، فإذا بهم يدخلون فى العنق الأكثر ضيقا.. الرئاسة والحكومة تبشران بالخروج، بينما كل الأحداث تقود إلى «رقبة القزازة».