أرجوك قم بتنحية مشاعر الاستهانة التى تملكها بعيدا عن هنا.. ولا تنظر إلى ابتسامات مبارك وأولاده داخل قفص المحكمة بالأمس على أنها فعلا استعراضيا أمام الكاميرات، ولا تهبط إلى مستوى جمهور «تويتر» و«الفيس بوك» وتبدأ بالحديث عن صبغة شعر مبارك أو تورد خدوده أو تنحى القاضى.
المشهد يا مواطن أكبر من أن يتحمل سخرية أو تهوين من شأنه، تأمل بنفسك وارفع عن عقلك غشاوة التوهان التى تصنعها نكت المعارضة أو أكاذيب السلطة.
مشهد «دخلة» مبارك هو وأولاده إلى قفص السجن بكل هذا الزهو والابتسام وانشغال الأب بالتلويح إلى أنصاره داخل القاعة، وتزايد أعداد أنصاره داخل وخارج القاعة عن أعداد أسر الشهداء والمتضامنين معه، يحمل فى باطنه كثير مما يمكن تخليصه فيما هو آت:
1 - المخلوع وكل رموز نظامه لا يشعرون الآن بأى نوع من أنواع وجع الضمير، هم على قناعة بأنهم كانوا يديرون البلد بالطريقة الصح.
2 - المخلوع وكل رموز نظامه لا يشعرون بذنب الدماء التى سالت فى ثورة 25 يناير ويعتبرون جرائمهم عمليات فدائية لحماية الوطن ووصلوا إلى هذه القناعة والراحة بعد كل الفتاوى الإخوانية التى جعلت من دماء المتظاهرين فى التحرير والمقطم أمام الاتحادية حلال لأنهم بلطجية ومخربين.
3 - المخلوع وكل رموز نظامه يعيشون صدمة الفرحة.. الفرحة بتمنى الناس عودتهم، وترحم الناس على أيامهم بعد أن ظنوا أن الناس ستطاردهم بالأحذية فى الشوارع والسجون عقب ثورة 25 يناير.
4 - الرئيس محمد مرسى أضعف وأقل من أن يملأ عين مبارك ورموز نظامه، ووصل إلى درجة من الفشل والتقزم جعلته غير قادر على أن يملأ عيون الناس المتعطشة إلى الديمقراطية والحرية والنهضة فتركوه وخرجوا يهتفون باسم مبارك ويترحمون على أيام فساده.
5 - كان واضحا على مبارك استمتاعه بنظرات الناس داخل القاعة، وكأنه يكيد لهم ويخبرهم ألم أقل لكم؟، أن الفوضى هى بديلى؟!، ألم أحذركم من أطماع الإخوان؟!
أنت ترى كلامى محاولة لتحليل مشهد عبثى قام بأدائه مجرم بصحبة أولاده فى محاولة للملمة البعض من كرامتهم التى بعثرتها الثورة داخل السجون؟.. ولكن عفوا الكلمات السابقة وقائع وحقائق لا تستطيع أنت، ولا مرشدك أن تنكرها، الكلمات السابقة تحمل من الألم والوجع والإنكسار مالا يمكن أن تتخيله أنت أو تفهمه جماعتك، لأن ابتسامة مبارك داخل القفص كانت وكأنها سكين حاد يقطع آخر شريان فى رقبة الثورة وأحلامنا التى رسمنا يوما ما جزءا منها يظهر فيه مبارك الذى ظلم وطغى كسيرا مذلولا فإذا به يظهر باسما واثقا، والوجع الأكبر أن ينبوع ثقته وذهوه هو فشل وضعف محمد مرسى وجماعة الإخوان الذين أوهمونا فى لحظة زمنية عبثية أنهم أهل ثورة ومرشحهم مرشح للثورة، فإذا بهم وبمرشحهم يخسفون بالثورة سابع أرض.. بل وما تحت الأرض.. تحت أقدام مبارك!!
كلمة أخيرة:
أدعوك لأن تتوقف قليلا لتؤكد لنفسك أن محاكمة مبارك ومشاهدته داخل قفص الاتهام، ما هى إلا مطلب واحد ضمن مطالب هذه الثورة، وهو ليس أهمها أو أعظمها، وإن كان أكثرها إثارة، عظيم جدا أن يكون مبارك داخل القفص، وجميل جدا أن يظهر جمال الذى كان يُمهَد له الطريق نحو الرئاسة خلف القضبان، ولكن ليس عظيما أبدا أن تتحول محاكمة مبارك إلى فقرة تليفزيونية يتخطى الهوس بها كل الحدود، ليس عظيما أبدا أن يخرج علينا قيادات الإخوان والبعض ممن نصبوا أنفسهم متحدثين باسم الثورة ليخبرونا بأن إعادة محاكمة مبارك وتنحى القاضى هو منتهى الثورة، ستختفى عظمة المشهد إن نجحوا فى أن يشغلونا بمحاكمة مبارك عن متابعة ما يحدث من كوارث رئاسية وسعى محموم للسيطرة على كل شىء.