عامان ونصف تقريبا مضت منذ خرج الشعب فى 25 يناير ولا نزال منقسمين، انقسمنا شظايا فى فريق الثورة والثوار، هتفنا يسقط حكم العسكر وعدنا لنهتف مجددا فليعد حكم العسكر، ويهتف بعضنا يسقط حكم المرشد، قضينا وقتا طويلا متمتعين بقسمة المجتمع إلى ثوار وفلول، وانشغلنا من منا فى معسكر الثورة يسيطر أكثر، وفى زحمة انشغالنا دبجنا قانونا يقصى رموزا للنظام البائد، كان انتقائيا، وأهم سمات القانون أىّ قانون العمومية والتجريد فسقط القانون سريعا أمام الدستورية!!
خطواتنا مرتبكة، دبجنا قانونا للانتخابات، كل قوى الثورة بلا استثناء شركاء فى إصدار قانون الانتخابات الذى سمح بدخول الأحزاب فى مقاعد الأفراد، والغريبة أن «العسكرى» كان قد حذر من مغبة سقوط القانون إلا أن -الجميع- أصروا على إصداره فسقط القانون فعلا أمام الدستورية وتم حل البرلمان الوليد.. برلمان الثورة.
خاضت قوى الثورة انتخابات الإعادة فى مواجهة رمز من رموز نظام مبارك وتوحدت خلف مرشح الثورة حتى فاز فتنكر لشركاء الثورة ولم يف بتعهداته لهم رغم إن العهد كان مسؤولا. وضعنا كل البيض فى سلة واحدة، وحكمنا على كل من دخل الحزب الوطنى بالرجعية وحظرنا دخولهم الانتخابات عشر سنوات، صحيح لكل ثورة أن تحمى مسيرتها ومسارها شريطة أن يكون ذلك فى إطار عام ليس انتقائيا، لكننا لم نفعّل الشرعية الثورية وانتظمنا خلف شرعية القانون العادى ورفضنا نتائجه.
لم نفكر مرة واحدة فى كيفية التعايش بيننا فى إطار نسق الثورة السلمية التى حققت أهم أهدافها بالإطاحة برموز النظام.. بذل المجلس الأعلى للقوات المسلحة جهدا كبيرا فى حماية الثورة وتأكيد إبعاد مبارك وعصبته، لكنه فى نفس الوقت لم يتخذ من التدابير ما يكفى لحماية الثورة.. رغم أن أصواتا عالية ارتفعت بضرورة إصدار قانون العزل السياسى أو تفعيل قانون الغدر لكنه تقاعس، أصواتا عالية ارتفعت تطالب بشرعية الثورة ومحاكم الثورة لكنه تعلل بالرغبة فى إعادة أموالنا المنهوبة فى الخارج ولم تعد. قبلنا فكرة القانون العادى والمحاكم الطبيعية ورفضنا نتائجها.. وهتفنا غضبا على أحكام القضاء ببراءة الضباط وبراءة رموز النظام.
لم يقبل ثوارنا فكرة التعايش السلمى، قال بعضنا بصوت خفيض فلنتأسى بنهج سيد الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يقول لشعبه من الرافضين له الذين قاتلوه سنوات طويلة «ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟» ردوا بصوت منكسر، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، علّم البشرية فلسفة التعايش الآمن «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
كان أبوسفيان رأسا من رؤوس المعسكر الذى عادى محمدا وصحبه وقاتله سنين عددا حتى فتح مكة فأعلن الإسلام وانضوى تحت راية الثورة فقبل النبى منه فعله، بل أعطاه وجاهته «من دخل دار أبوسفيان فهو آمن»، بينما كثيرون من رموز عملت داخل نظام مبارك جاءوا إلى ميدان التحرير قبل سقوط مبارك وانحازوا إلى الثورة ولم يجدوا من الثوار إلا كرها وإصرارا على إبقائهم فى صفوف الفلول!!
لم يعد المجتمع المصرى موحدا، افتقدنا التعايش الذى كان أحد أبرز سمات المجتمع المصرى، تميزت بلادنا على مدى التاريخ بالتعايش الآمن بين عنصرى الأمة، لم نعرف أبدا فكرة الأحياء أو الشوارع الطائفية، بل فى العقار الواحد يتشابك سكانه مسلمين وأقباطا بشكل يصعب الفرز بينهم!!
دخلنا ميدان التحرير موحدين ضد مبارك ونظامه وظلمه واستبداده، حمى الأقباط المسلمين فى صلاتهم أثناء الثورة، تعانق الهلال مع الصليب على منصة التحرير، تعايشنا على مدى ثمانية عشر يوما.
كثير من المصريين أصابتهم الحيرة وهم يرون «مبارك» قاب قوسين على الخروج من سجنه، ويرون فى خروجه تهديدا للثورة والثوار، وهو ما يطرح ضرورة إعادة ترتيب الأولويات.. أولويات ثورة شعب خرج متمردا على بطش نظام استبد وعذّب وقتل وسرق، أولويات شعب عاش على مدى التاريخ متعايشا بينه وبين بعضه البعض.
لا يضيرنا لو خرج مبارك لو تعايشنا، لو تعايش المصريون بعد الثورة فى نطاق شعاراتها عيش، حرية، عدالة اجتماعية.
لن يرجع مبارك مرة أخرى.. صدقونى.. مبارك انتهى ونظامه أيضا بغير رجعة، إنما يبقى علينا أن نضم إلى صفوفنا كل من انحاز إلينا دون أن نسأل عن توقيت انحيازه للثورة.. أن نقبل إسهامات كل مصرى طالما بقى فى قلبه الولاء لهذا الوطن الكبير، أن نعى أن كثيرين منا كانوا يجدون فى الانضمام للحزب الوطنى تيسيرا لشؤونهم وقدرتهم على إنجاز أمورهم!! دون أن يتعدى هذا الانضمام هذه الحدود البراجماتية الضيقة.
لقد أسقطت الثورة فعلا فى الانتخابات الأولى رموز الحزب الوطنى الذين ساموا الشعب عذابات السنين بغير قوانين ولا تشريعات.
يا ناس.. التعايش الآمن هو الحل.. شعبنا وجدانه المتدين عميق غير أنه لا يحب التطرف، يحب السلم فخرج داعما للثورة عندما اتسمت بالسلمية وانصرف عن دوراتها اللاحقة لما سادها العنف واندس فى صفوفها المخربون.
لو عاد الرئيس إلى شركائه فى الثورة وقربهم من دائرة نفاذ القرار لحين إجراء انتخابات برلمانية حرة، وكلف شخصية وطنية مستقلة برئاسة حكومة ائتلاف وطنى تجرى الانتخابات، أظن أننا سنكون قادرين على التعايش ومواجهة كل التحديات وتخطى العقبات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة