ظاهرة تنامى جماعة «آسفين يا ريس» التى تؤيد الرئيس المخلوع حسنى مبارك مثيرة للدهشة.. كانت فى البداية جماعة مضحكة، وكان يمكن أن يقال إن وراءها بعض المستفيدين من النظام السابق.. أو بعض أولاد الحلال اللى مش عارفين حاجة فى أى حاجة، لكن هذه الجماعة تنامت فى الفترة الأخيرة إلى حد مذهل وتزايد معجبوها عن المليون على صفحتها، وتزايدوا فى الشارع، وفى الحوارات العادية بين الناس، وإن لم تكن تحت عنوان «آسفين يا ريس» ولا «أبناء مبارك»، ولكن تحت عنوان حسنى مبارك كان أحسن.. لقد صار هذا حديثا قائما الآن وتسلل إلى القنوات الفضائية والصحف وصار موضوع تعليقات سريعة وغير سريعة ومقالات قصيرة وغير قصيرة، وصارت المقارنة بين حسنى مبارك ومحمد مرسى موضوعا قائما فى كل حوار بين بعض المثقفين والسياسيين، وفى كل وقت بين الناس العاديين الطيبين المندهشين مما يفعله الإخوان المسلمون الذين جاءت بهم الثورة إلى الحكم.. من الصعب أن تشرح لأحد أن الثورة مستمرة، وأن وصول الإخوان إلى الحكم لا يعنى إدانة الثورة بقدر ما يعنى الظروف التى اندلعت فيها الثورة والمؤامرات التى حيكت ضدها من المجلس العسكرى السابق والإخوان المسلمين وأمريكا، أو خطأ الجماعات الليبرالية الكبير فى عدم الاتفاق على مرشح رئاسى واحد، كل ذلك لا معنى له فى الحوار مع الناس العاديين، فهم مهمومون بما يحدث حولهم من انتهاكات لحقوق الإنسان، ومن إثارة للفتنة الطائفية، والأهم موجة الغلاء الطاحنة التى تتقدم كل يوم، وأى عاقل يقارن بين مبارك ومرسى سينتصر لمبارك بينما الواجب أن لا تتم المقارنة أصلا لأن الحكم لا يكون بالمقارنة بين الديكتاتوريات، ولكن بين الديكتاتورية والديموقراطية. هذا لا يهم الناس العاديين الذين أخذ بهم اليأس من يوم تطيب لهم فيه حياة جميلة دفع من أجلها الشباب دمه فى ثورة رفع فيها شعارات إنسانية رائعة يحلم بها البشر فى كل زمان، ورأوا بأعينهم كيف نجحت الثورة فى أيامها الأولى من تحقيق بعض مطالبها وعلى رأسها إزاحة الرئيس ومحاكمته ورجاله بصرف النظر عما جرى بعد ذلك من تحايل والتفاف على كل شىء.. اليأس هو الراية التى يعيش تحتها كثير من المصريين الآن، ومن ثم يرون فى الرئيس المخلوع شيئا أفضل، كما يرون فى الجيش حلا وملاذا، ومن المؤكد لو جاء أحمد شفيق إلى مصر فسيلتف حوله الكثيرون ممن كانوا يؤيدونه من قبل، ومن هؤلاء اليائسون، وكأنه لا توجد جبهة إنقاذ تعمل ولا شباب مايزال يحتج ويملأ الطرقات والميادين.
لن أقول نحن شعب لم يعرف الثورات لكن سأقول فى مصر أجيال ولدت ونشأت فى ظل نظام يوليو ولم تعرف إلا الانقلابات فى مصر أو غيرها من البلاد العربية المحيطة، ومن ثم صبرها على الثورة ليس طويلا، رغم أنها صابرة بالقوة!
على الناحية الأخرى من اليأس توجد جبهة أخرى يمكن تسميتها جبهة العمى، وهى من الإخوان المسلمين أنفسهم ومن النظام من ساسه لراسه ومن الذين ينتمون إليهم من كل الأجيال.. فهؤلاء الذين ينتهى عندهم النقاش بالسمع والطاعة، ويتحدثون لغة واحدة فى التبرير هى لغة الإنكار، يبدون لك فى أبسط التقديرات عميان لا يريدون الاعتراف لا بأخطاء النظام ولا بما يرتكبونه هم من فواحش على رأسها ما جرى من ضرب للشباب عند الاتحادية أو فى المقطم أو اعتداءات منظمة بذراع وزارة الداخلية وتعذيب وسحل، أو اعتداء على القضاء بالإصرار على النائب العام أو سائر ما نحن فيه من عبث لا يليق بالعصر الحديث الذى لا يختفى فيه شىء ولا قول ولا عمل.. جبهة العمى لا تتحرك عن مكانها ولا تعطى تقديرا لا لجبهة الثوار المعارضة ولا لجبهة اليأس التى يمكن أن تتحرك يوما إلى ناحية الثورة إذا فاض الأمر عن الحد، وسوف يفيض لأن العمى مستمر فى الإمعان فى أفعاله.. وسوف يستمر هذا العمى وأيضا لا يمكن لنظام لا يبالى بالمعارضة المتمثلة فى جبهة الإنقاذ وشباب الثورة الذين ينتفضون كل يوم لأفعاله، لا يمكن له أن يولى جانبا لهؤلاء اليائسين، يراهن على الوقت، لابد أن تتعب الثورة والمعارضة ويمشى اليائسون جوار الحائط، لكن الحقيقة أنه لا يرى مصر كأمة لها تاريخ. زمان تتغنى به الأمم الأخرى التى تعرف قيمة حضارات هذا الشعب القديمة، ولها أيضا جغرافيا لا يمكن التفريط فيها.. جغرافيا جعلت للمكان عبقريته كما أفاض واستفاض الراحل العظيم جمال حمدان. عبقريته التى كانت من أهم تجلياتها امتصاص كل الغزاة وإذابتهم فى نسيج الوطن وعدم قدرتهم على الانتقاص من روحه ولا أرضه.. عبقرية المكان صارت قولا يراد به الباطل لكن الذى لا يعرفه هؤلاء المزايدون أن عبقرية المكان تفعل فعلها مع الزمن فتطوى كل الغزاة شيئا فشيئا وربما حتى دون أن يدركوا. والذى يفعله هذا النظام الآن من رهانات هى مؤقتة ولابد أن تنفضح أو تنفشخ بلغة شباب الإنترنت، وعلى رأسها ما يتم الآن من اقتراض يراد به شىء من الإنعاش الاقتصادى المؤقت حتى تتم الانتخابات البرلمانية لتصبح القوة والتشريع مع النظام أو هو يتصور ذلك بعد أن أصابه العمى إلى أعمق نقطة تسقط أى نظام وهى التغاضى عن الأرواح وحقوق الدم. اليائسون يمكن تلخيصهم فى تحية مبارك فى محاكمته الأخيرة لهم. وهى تحية كانت متكررة تظهر شماتته فى النظام بدرجة وفى الثورة بدرجات وراحته النفسية التى تناسبها النكتة التى سرت وهى أن مبارك شكر مرسى لأنه إذا مات، مبارك، سيمشى فى جنازته الملايين بعد أن كان يتوقع ألا يمشى فيها أحد بسبب الثورة. وهى نكتة يمكن أن تكون حقيقية إلى حد كبير لو حدث ومات الرجل هذه الأيام. أما النكتة الأكبر فهى أن مبارك لو تمت تبرئته وترشح للانتخابات الرئاسية سينجح باكتساح، وهى طبعا لا يمكن أن تتحقق لأنه لن تبرأ ساحته وإذا حدث فلن يترشح وإذا ترشح فلن يفوز باكتساح أو غيره، وإن كان سيحظى بتأييد كبير. الأولى نكتة يمكن أن تكون حقيقة والثانية نكتة لن تبرح مكانها ومن أصابهم العمى أو قصدوه لا يهتمون كما قلت بحقائق الثورة على الأرض فهل سيهتمون بالنكت؟ وأخيرا بين هؤلاء وهؤلاء تظل المعارضة الحقيقية ويظل شباب الثورة يؤكد استمرارها، ويظل مستعصيا على الهدوء مع الوقت، ولكن كيف يمكن له أن يتوحد كما كان من قبل.. كيف يمكن لانتفاضاته الصغيرة التى تحدث كل يوم أمام المحاكم وفى الميادين أن تصبح دعوة حاشدة لإسقاط النظام.. هذا ما يجب أو أتصور أنه يجب أن يكون برنامجا للمعارضة كلها معا.. وهذا لن يتم إلا إذا كان فى مقدمة الأحزاب والجماعات التى تكون جبهة الإنقاذ الوجوه الأكثر من الشباب، أن يكون معروفا أن لهذه الثورة قيادة منهم بها على الأقل عشرين اسما يتصدرون المشاهد فى كل شىء.. ولا يقفون فى المؤتمرات واللقاءات خلف الكبار.. آن الوقت أن يعرف الجميع أن حكام هذا البلد يجب أن يكونوا من شباب الثورة ومفجيرها ولا يكون دورهم فقط التمرد أو الانتفاض.. الثورات لا تمضى عمرها فى الشوارع.. لابد من يوم تصل فيه إلى الحكم.. عايزين نحكم أهم من عايزين نشيل الحكم!