هل رأيت مظاهرات وأحداث عنف الجمعة الماضية؟
لو كنت جالساً أمام شاشة قناة الجزيرة أو قناة "مصر 25" أو موقع جماعة الإخوان الإلكترونى، ستلعن المعارضة لأنها نزلت للتظاهر ضد مسيرات جماعة الإخوان، وتسببت بذلك فى العنف، وستروى لكل من يحدثك عن العنف الذى استخدمه معارضو جماعة الإخوان، وعرضته شاشة قناة الجزيرة "المحايدة".
أما إذا كنت جالساً فى مدرجات القنوات المعارضة للجماعة، ستروى ما شاهدته على شاشاتها "المحايدة" من عنف جماعة الإخوان، مبرزاً النيات الخبيثة للجماعة التى دائما تنتقد التظاهر لأنه يعطل عجلة الإنتاج، ويعطل الجماعة ومؤسسات الدولة عن اتخاذ القرارات السياسية الهامة، ثم تفعل عكس ما تدعو إليه وتنزل للتظاهر المعطل لعجلة الإنتاج، والجالب للعنف، رغم أنها تمتلك مؤسسة الرئاسة، ومجلس الوزراء والمجلس التشريعى، إلى جانب حزبها "الحرية والعدالة" وجريدتها وموقعها الإلكترونى والجرائد القومية وغيرها، من الأدوات التى تجعلها قادرة على اتخاذ أى قرار.
لكنك لو تركت الإعلام كله، وأعطيت أذنك وبصرك وقلبك وعقلك لحوارات الناس فى الأتوبيس والميكروباص والشارع، وهؤلاء الذين يضربون ويعتصمون ويتظاهرون للمطالبة بزيادة المرتبات والحوافز والتثبيت والوحدات السكنية وفرص العمل، ستعرف أن الشعب فى ظل ارتفاع الأسعار الرهيب، ينظر إلى الخلافات السياسية كما ينظر إلى "شجارات الديوك"، هذه "الديوك" التى أطلقها الشعب من أقفاصها بفضل ثورته العظيمة وشهدائه الأبرار، على أمل أن تبنى وطناً للعدل والمساواة والحرية، فاكتشف أنها تسبب له الصداع والفرقة والحيرة ناهيك عن وجع البطن وغموض المستقبل، فالناس لا ترى فى هذا الشجار أى فائدة، بل إنه صراع مقيت على السلطة يعود عليهم بالسلب.
والحقيقة أننى كنت مؤيداً لمعظم المظاهرات التى كانت ينظمها الثوار فى حقبة حكم المجلس العسكرى، كما أننى شاركت فى المظاهرات ضد الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى، ولو عاد الزمن لاتخذت نفس المواقف، وسوف أشارك فى المستقبل فى أى احتجاجات إذا ما اتخذ مرسى وجماعته إجراءات وقرارات تصنع منهم مستبدين، أما الآن وفى ظل شجار الديوك، فإننى لا أتعاطف إلا مع احتجاجات الفقراء التى يسميها البعض "فئوية" وأسميها مطالب اجتماعية.
السلطة بعد الثورة تسير على نفس سياسة مبارك فى استكمال تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولى، هذه الروشتة التى نشرت الخراب والفقر بسبب سياسات الخصخصة، وكانت من أهم أسباب انفجار ثورة الشعب، والمعارضة فى المقابل لا تقدم برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً متكاملاً بديلاً لسياسات جماعة الإخوان التى هى نفس سياسات مبارك، بل وما زالت المعارضة فى معظمها تترفع عن المطالب الاجتماعية للعمال والفقراء والعاطلين والمطالبين بالسكن والعلاج، وترى أن المسائل السياسية هى الأولى بالاهتمام، وتغرق المعارضة نفسها فى مستنقع الصراع على السلطة مع الإسلاميين، لتترك الساحة لبديل آخر يتكون ببطء ولكن بثبات فى أوساط هؤلاء الذين يكتوون بنار الأسعار والانفلات الأمنى من "الأرزقية والصنايعية" والعاطلين، الذين لم يستفيدوا من الثورة، ولم ينالهم منها إلا وقف الحال وضيق الرزق، فلن يستطيع أحد أن يلوم الشعب صاحب الديوك المتناحرة على السلطة، إذا كان البديل عن "الإخوان" وجبهة الإنقاذ لديه عندما ييأس من كل الأطراف فى آخر المطاف، أن يأتى عن طريق انتفاضة شعبية أو صندوق الانتخابات، بمن يجمع كل هذه الديوك ليعيدها إلى القفص مرة أخرى، بعد أن يذبح بعضها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة