كنت أتمنى ألا يتورط أى مسلم فى تفجيرات بوسطن، وأن يغسل المسلمون أيديهم من دماء المدنيين إلى غير رجعة، وأن يقابلوا الأمان الذى يعطى لهم فى بلاد غير المسلمين بأمان مقابل كما تقضى منظومة الأمان فى الشريعة الإسلامية الغراء، وأن نطوى صفحة كئيبة سطرها بعض من أساءوا للإسلام فى بلاد الغرب.. وقدموا الإسلام العظيم بأبشع صورة، أساءت لهذا الدين الرحيم.. فالإسلام قضية عادلة يتولى الدفاع عنها أحيانا محامون فاشلون، فتخسر على أيديهم هذه القضية العادلة.. ولو أنهم تركوا الإسلام وحده يدافع عن نفسه ويعرض نفسه بنفسه على الآخرين، ويقدم نفسه للبشرية دون وسائط سلبية لكان أفضل وأجدى.
فبعضنا وللأسف يقوم دوماً بدور الدبة التى تقتل صاحبها كلما أرادت الدفاع عنه. ويسعدنى فى هذا المقال المختصر أن أسوق للقارئ الكريم، بعض القضايا الشرعية والفقهية المهمة التى تتعلق بتفجيرات بوسطن أو ما شابهها: أولاً الأصل فى الدماء عامة العصمة، ولا يزول هذا الأصل إلا بدليل أوضح من الشمس، وقد نص الفقيه العظيم ابن تيمية على أن إراقة دماء المسلمين أوغير المسلمين كلها مفسدة، وقد أباحتها الشريعة فى حالة الحروب العادلة كاستثناء لدفع مفسدة أعلى. ثانيا هناك إجماع فقهى إسلامى على تحريم قتل الأطفال والنساء والشيوخ والقسس والرهبان والمرضى حتى فى حالة الحرب.. وهؤلاء يطلق عليهم فى الفقه الدولى الحديث مصطلح «المدنيين».. وقد سبق الإسلام الفقه الدولى فى هذا الأمر، وبين الفقهاء الأوائل العلة فى القتال وهو المقاتلة.. ولأن المدنيين ليسوا من أهل القتال فلا يجوز قتلهم. وقد وصى النبى (صلى الله عليه وسلم) جيوشه بقوله «لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً فانياً ولا زمنى أى صاحب مرض مزمن» و«لا تقطعوا شجرة ولا نخلة».. وقال عمر بن الخطاب «أتقوا الله فى الفلاحين الذين لا يناصبونكم الحرب». والمتأمل فى تفجيرات بوسطن وكل التفجيرات المماثلة مثل تفجيرات مترو لندن ومدريد فى الغرب، وكذلك التفجيرات فى بلاد المسلمين، مثل تفجيرات الرياض والدار البيضاء وشرم الشيخ وغيرها يجد أن معظم القتلى من المدنيين.
ثالثا- المواطن ليس مسؤولاً عن سياسة دولته سواء فى الدول الديمقراطية أوالديكتاتورية، فالمواطن المصرى أوالأمريكى أو البريطانى ليس مسؤولاً عن سياسة دولته.. لا مسؤولية شرعية ولا قانونية ولا حتى أدبية. ففى الدول الديكتاتورية لا يملك المواطن عن أمره شيئاً حيال الحكام. أما فى الدول الديمقراطية فقد يفوز الرئيس بفارق 1% كما فاز جورج بوش الابن.. أى أن 49% من شعبه كانوا يعارضونه، فضلاً عن وجود قرابة 60% من الشعب الأمريكى لم يؤيدوا تدخله العسكرى فى العراق.. فالمواطن العادى لا يصنع سياسة دولته ولا يشارك فيها.. فضلاً عن أن يكون مسؤولاً عنها أو أن يقتل من أجلها.. رابعا، القتل بالجنسية من أسوأ أنواع القتل التى ابتدعها تنظيم القاعدة، حينما أفتى بقتل كل أمريكى ويهودى.. فليست هناك أمة على وجه الأرض، ولا أهل دين على شاكلة واحدة من الخير أو الشر أو الظلم والعدل.. حتى بما فيهم المسلمون أنفسهم.. وقد ظللت أتفكر وأتمعن طويلا ً فى الآية العظيمة « ليسوا سواء ً» وهى قمة العدل القرآنى.. وقد كتبت رسالة صغيرة بهذا العنوان العظيم .. وقد حارب المسلمون أمما كثيرة ولم يقولوا بقتل كل رومى أو فارسى أو... خامسا، ادعى البعض ممن لا فقه له ولا علم حقيقى بالشريعة الغراء، أن دفع المواطن الأمريكى للضرائب يجعله شريكا فى كل الآثام التى يرتكبها الجيش الأمريكى فى العراق وأفغانستان وغيرهما.. إذ أن هذه الضرائب هى الممول الحقيقى للجيوش، والحقيقة أن هذا الكلام لا يستحق مجرد مناقشته، لأنه يصطدم مع إجماع فقهى فى كل عصور الفقه الإسلامى على حرمة قتل المدنيين.. سادسا، هل تراق الدماء بهذه البساطة والسهولة.. وهل فتاوى استحلال دماء الآخرين يطلقها كل من هب ودب، ممن لم يتضلع حقا ً من العلم الشرعى وممن لم يتشرب قلبه حقا رحمة الإسلام بالعباد جميعا ً مسلمين وغير مسلمين.. وأخيرا إن الطغيان والصلف وازدواج المعايير فى السياسة الأمريكية لا تجعلنا نخالف الشريعة، ونحن نواجه غيرنا عملا بقوله تعالى «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».. وأفضل ما نواجه به هذا الطغيان هو أن نصنع حضارة أعظم من حضارتهم.. بدلا ً من أن نقتل نساءهم وأطفالهم.