كرم جبر

«التطهير».. مسمار فى نعش دولة القانون!

الخميس، 25 أبريل 2013 11:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عبارة «تطهير القضاء» نفسها جارحة وقاسية وظالمة، لأن القضاء «يطهّر» ولا «يُطهر» وسوف تدفع مصر كلها ثمنا فادحا إذا استمرت محاولات التدخل فى شؤونه، لمجرد أن بعض أحكامه لا ترضى الإخوان والتيارات الإسلامية، فلو تم تفصيل الأحكام على الهوى ووفقاً للمصالح لأصبحت عدالة انتقامية لن ينجو من ظلمها أحد، ولن يفلت من براثنها حاكم ولا محكوم، وما يثير الاستغراب هو أن الإخوان أنفسهم هم ألد أعداء التطهير فى الستينيات، ويدركون جيداً أنه سلاح استخدمه كثير من الأنظمة الديكتاتورية فى الانتقام من خصومها ومعارضيها وإقصائهم وإبعادهم، وتصفية الحسابات السياسية، وإهدار القانون وإزهاق روح العدالة، فلماذا يستعيدون سلاحاً ذاقوا مرارته وعانوا من قسوته؟.
الكارثة الكبرى هى ضرب ما تبقى من هيبة العدالة ودولة القانون، فإذا كان الحزب الذى يحكم الآن هو الراعى الرسمى لمليونية «تطهير القضاء»، فإنه يعطى إشارات للرأى العام بأن القضاء خرج عن حظيرة الدولة ومظلتها ولم يعد أحد سلطاتها الثلاث، وأن الفساد يخيم فيه ويضرب أوكاره وأصبح فى حاجة ماسة إلى التطهير، وكلها رسائل سلبية ترسّخ فى أذهان الناس قيم التمرد على الأحكام القضائية ومقاومة تنفيذها ولو بالقوة، علاوة على إهانة القضاة والنيل منهم واتهامهم بالفساد والرشوة، وكيف للقضاة وهم بشر أن يجلسوا فوق منصة العدالة السامية ويصدرون أحكامهم، بينما تلاحقهم كل هذه الاتهامات الشائنة الباطلة، وكيف للدولة أن تبسط هيبتها، بينما جناحها المتمثل فى العدالة يصيبه الشلل؟ لن تهدأ الأزمة إلا إذا حل الحوار مكان الشجار، وحسن النية والتفاهم بدلا من التربص والترصد، ففى مسألة خفض سن القضاة للستين بدلا من السبعين، فالقضاة هم أعلم الناس بشؤونهم ولا يجب أن يُفرض قانون عليهم إلا بعد موافقتهم، وقد يكون الحل على مراحل إذا وافقوا على خفض السن 68 سنة ثم 65 سنة وهكذا على عشر سنوات مثلا حتى لا يحدث فراغ فى المناصب العليا وتنهار المنظومة القضائية، ولا يأخذ القانون شكل المذبحة أو أنه يستهدف الإطاحة بأشخاص بأعينهم، أما أن تتم إحالة أربعة آلاف قاض للمعاش دفعة واحدة، على أن يحل محلهم محامون، فهذا ما يثير الريب والشكوك وسوء النوايا، الأهم هو أن يمارس مجلس القضاء الأعلى سلطاته ويطبق قانونه الذى يحظر ظهور القضاة فى وسائل الإعلام، وهو ما ألحق أبلغ الضرر بالقضاة عندما يجلسون أمام مقدمى البرامج ويتم استجوابهم وأحيانا إحراجهم والهجوم عليهم، وفى ذلك إهدار لمكانة القضاء ومنصته العالية السامية.
تطهير القضاء ليس له إلا طريق واحد باحترام الدولة أحكامه، لأنه ذراعها وليس عدوها والمدافع عن عدلها وليس المقوض لها، والاحترام بالفعل وليس القول وليس بإعطاء ضوء أخضر لإهدار الأحكام القضائية، أو اللجوء إلى الحيل والخدع، حتى لو كانت قانونية، لعدم تنفيذ الأحكام، ومشكلة مصر أن ترزية القوانين أكثر بكثير من الفقهاء، وفى كل عصر يزينون طريق الحاكم إلى الالتفاف على القانون واللجوء إلى دروبه الخلفية، فعلوا ذلك مع كل رؤساء مصر السابقين ويفعلونه الآن، نفس الكلام المنمق عن احترام القضاء وعدم التدخل فى شؤونه، بينما تمضى الأفعال عكس الاتجاه، «التطهير» ليس معناه «التلطيش» فمن يملك سنداً أو دليلاً على فساد قاض أو انحرافه، فالقانون يحدد إجراءات المحاكمة والعقاب، أما أن تكال الاتهامات جزافاً فهى تمس الشرفاء والمخلصين قبل المنحرفين وتشيع أجواء من البلبلة والتشكيك والريب والظنون، فى وقت تحتاج فيه البلاد إلى من يلم شملها وليس من يزيد جراحها، ومن يُعلى شأنها وليس من يحقّر رموزها، وقضاة مصر، كحال مصر، يخاصمهم الهدوء والرضا والاستقرار.. فهل يمكن أن تتحقق العدالة المطمئنة فى ظل هذه الأجواء؟!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة