كان وصف التليفزيون المصرى بالريادة أيام مبارك يثير سخرية البعض، ممن كانوا يرونه فقد ريادته بعد أن تحول إلى إعلام لمبارك وحزبه. لكن أحدا لم يتصور أن ينتقل التليفزيون إلى مرحلة «الريالة» بفضل الأستاذ صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام وإصراره على استعمال تعبيرات وتلميحات وإيماءات خارج حدود الأدب، ولم يحدث ذلك مرة ولا اثنتين بل ثلاث مرات، الأمر الذى يخرجها من زلات اللسان ويدخلها فى دوائر القصد والتعمد.
ربما كان الوزير صلاح يشعر بخفة دم زائدة، وفائض من الظرف يدفعه لمزيد من الاستظراف، لكنه استظراف يحمل من الفجاجة أكثر مما يحمل من الظرف، استخف الوزير دمه بقولته «تعالى وأنا أقولك فين» وأصر على تكرارها أول أمس مع مراسلة النهار عندما سألته عن المضمون الذى يقدمه، فرد عليها متوترا بقوله: «هقولك زى ماقلت لزميلتك تعالى أقولك المضمون فين». وقبل شهور قال لمذيعة العربية «أسئلة سخنة زيك»، يومها قال إن تعبيراته تم انتزاعها من سياقها بينما السياق كله سائل.
فى المرة الأخيرة توتر صلاح وهو يرد على مراسلة النهار وأعلن بعد الريالة أن المضمون اختلف عما كان فى أيام نظام مبارك وأن تليفزيون صلاح أفضل من تليفزيون أنس. وبما أننا عاصرنا وعرضنا وانتقدنا مضامين إعلام مبارك فإننا نرى أن التلفاز المقصودى تدهور بدرجة لم يصل لها أيام مبارك ولا أيام المجلس العسكرى. أصبح باهتا وخاليا من المضمون، لأنه ظل يمتلك بعضا من الخجل، لم يعد موجودا مع إعلام صلاح وجماعته، فى مرحلة «الريالة».
حال الإعلام مع صلاح لا يختلف عن تعبيراته، لا يمكن الزعم بأن تليفزيونهم اليوم أفضل، بل هو الأسوأ، فلا هو إعلام حزبى ولا إعلام دولة، ويمكن أن يعرف صلاح قيمة تليفزيونه من نسبة المشاهدة التى انخفضت إلى أدنى مستوياتها، بسبب إصراره على فرض متحدثى جماعته على كل البرامج حتى برامج الطبيخ. واستبدال الكفاءات بغيرها من قيادات تابعة لا تمتلك غير أن تسمع الكلام، وزرع رقباء ذاتيين، وصناعة حالة من التلصص بين العاملين. فضلا عن أنه كان الوزير الوحيد الذى شهدت الأفلام المصرية عمليات بتر لمشاهدها وهو ما لم يحدث مع القنوات العربية ولا غيرها، وهى عملية تشويه لتراث لا يبدو أن صلاح يعرف قيمته.
صلاح يفعل ذلك بزعم استبعاد القيادات الفاسدة، بينما لا يهتم بغير ضمان السيطرة وتحويل الجهاز إلى ناطق باسم الجماعة حتى لو تحالف مع أى فساد، وحتى ذلك يتم بعشوائية لا تختلف عن عشوائية جماعة جائعة للسلطة والمناصب.
صلاح يزعم أنه طور التليفزيون وهو لا يعرف عن الإعلام شيئا، احتل موقعه ليس لخبرات سابقة فى الإعلام المرئى، ولكن لمجرد عضويته فى جماعة الإخوان التى لا تدرك لا قيمة الريادة ولا قيمة الوطن من الأصل، وإلا فليخبرنا عن الإنجاز الذى قدمه فى الدراما أو الفن منذ قدومه، وهو أمر كان لمصر فيه الريادة بالفعل وليس الادعاء.
ربما كان صلاح يختفى خلف تصريحاته السائلة، ليغطى على فشله وجوعه لسلطة لا يجيد استعمالها، يقول إنه ليس النظام السابق مع أنه تجاوز النظام السابق.. مع مزيد من «الريالة».