فى محيط الأشهر التسعة لحكم الرئيس محمد مرسى، وكل ما تتضمنه من فشل، وأداء رئاسى ضعيف، ومحمّل بأطماع الجماعة ومكتب الإرشاد، توجد صورة أخرى لأداء إعلامى وسياسى مرتبك، فيما يخص التعامل مع أسرة الدكتور مرسى، وتحركات الزوجة والأبناء، وأخطائهم.
حالة ترصد يمكنك تبريرها إعلاميا بأن الأسرة الصغيرة انتقلت من نطاق الخاص، إلى حيث كادر الحياة العامة الذى يمنح الآخرين رؤية أفعال هؤلاء الذين يتحولون إلى نجوم مجتمع بعين نقدية، أحيانا ما تكون قاسية لاعتبارات تخص ارتباطهم بأكبر رأس فى البلد.. الرئيس.
باستثناء بعض التجاوزات أو الأخطاء البسيطة لأبناء الرئيس، تحديدا عمر وعبدالله، والتى يمكن إدراجها أسفل بند الارتباك، وصدمة الانتقال إلى حياة أخرى كل الأضواء تحاصرها، يمكنك القول بأن زوجة الرئيس وأولاده هم الطرف الأضعف فى العلاقة مع الإعلام، والمعارضة، ونشطاء أصابتهم الثورة بشراهة تناول كل ما كان محظورا من قبل، أو ما كان الاقتراب منه قبل ثورة 25 يناير يتم بهدوء، أو فى إطار حزمة من التحذيرات.
السعى المحموم والخبيث فى تأويل صور أبناء الرئيس وهم بصحبته فى صلاة الجمعة، والتعامل مع الحراسة التى تحيط بالأبناء، وكأنها نوع من الأبهة أو الفخفخة أو ابتكار تم خلقه خصيصا لأولاد محمد مرسى، وليس حقا يُمنح لكل أسرة رئاسية، أمر مرفوض ومستفز وسخيف بمقدار سخافة التعليقات التى أطلقها عمر مرسى على موقع تويتر عن المعارضة، وثارت الصحافة وغضبت بسببها. وإذا كان بعض أهل النخبة فى مصر يظهرون على الشاشات لتحليل تحركات وأخطاء الأسرة الرئاسية والتنظير، بحثا عن نوع الصدمة التى أصابت الدكتور مرسى وأهله بعد الوصول إلى الرئاسة، فمن باب أولى أن يبحث هؤلاء فى أمر صدمتنا نحن بسبب تناقض أفعالهم مع ما يرفعونه من قيم وشعارات تتحدث عن الحرية واحترام الخصوصية والحياة الشخصية للأفراد.
أنا لا أخبرك بأن زوجة الرئيس وأولاده أهل عصمة من الخطأ، أو المتابعة الإعلامية، أنا فقط أحدثك عن إهدار أحد أهم حقوق الناس والصحافة والإعلام فى متابعة أهل السلطة واصطياد أخطائهم وفضح ممارساتهم غير القانونية على يد هؤلاء الذين خضعوا للخصومة مع الرئيس والإخوان، ولجأوا إلى تأويل تحركات أهل بيته إلى الأشكال التى تخدم أهدافهم الشخصية، ولا تخدم أبدا ما نرفعه من شعارات تخص الحريات الشخصية.
وإذا كان ما يتعرض له أولاد مرسى من ملاحقة غير شريفة أمرا مرفوضا، فإن ما تتعرض له زوجته أمر يثير ما فى نفسك من مشاعر غثيان مؤجلة، ويدفعك لأن تقول: «عجيب أمركم أيها المصريون تطلبون الحرية، وحينما تطرق أبوابكم فى أثواب غير التى حلمتم بها، أو غير تلك التى فصلتموها لأنفسكم خصيصا، تأملون ولو أن مفاتيح الأبواب قد ضاعت منكم للأبد».
السادة على الجانب الليبرالى واليسارى من ضفة الحياة السياسية فى مصر، والذين ثاروا وشاهدوا بأعينهم الموت فى طلقات طائشة، أو فى أجساد غارقة فى دمائها من أجل الحرية.. حرية تداول السلطة.. حرية الرأى.. الحرية الشخصية، يقفون أمام بوادر تلك الحرية الآن حائرين، يقلبونها ويفرزونها وينتقون منها كأنهم أمام قفص فاكهة أو خضار، يختارون ما يحلو لهم، ويوافق هواهم، ويطرحون الباقى أرضا، كأنه رجس من عمل الشيطان.
هل يمكن أن تصدق أن المجتمع المخملى والمثقف فى مصر الذى طالما دخل حروبا من أجل الحريات الشخصية يكون هو أول من ينصب المدافع ضد زوجة الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية الجديد؟
هل تصدق أن المجتمع الذى طالما طالب بعدم فرض زى موحد، أو عدم التعرض لملابس النساء هو نفسه المجتمع الذى يسخر من السيدة نجلاء، زوجة الرئيس، لأنها ترتدى خمارا وجلبابا؟، هل تصدق أن كل الانتقادات التى وجهت لزوجة الرئيس الجديد تتعلق بخمارها وجلبابها ولقبها «أم أحمد» وملامح وجهها ونظارتها فى حملة هجوم تعتبر هى الأشد انتهاكا للحريات الشخصية؟
ما حدث مع «أم أحمد» ليس مجرد رد فعل سياسى كيدى، أو خطأ يمكن التعامل معه فى إطار المنافسة السياسية، ولكنه تعبير حى عن حالة «الشيزوفرينيا» والانفصال التى يعيشها المجتمع المصرى، أو تلك التى تعيشها نخبته المثقفة والثرية على وجه التحديد، ليس فقط لأنهم فعلوا مع «أم أحمد» ما يطالبون الإخوان والتيارات الدينية بعدم فعله مع نساء مصر، فيما يخص التعرض لملابسهن أو حياتهن الخاصة، ولكن لأن جزءا من الهجوم على «أم أحمد» كان مصحوبا بصدمة التعرف وللمرة الأولى على هذا النوع النسائى بملابسه، وطريقة تفكيره، وحديثه، بشكل يؤكد أن الطبقية الاجتماعية فى مصر أخطر عليها من الطبقية السياسية التى يقوم كل طرف سياسى بترتيبها بالشكل الذى يخدم مصالحه ومكاسبه.