مثل كل عام منذ تحرير سيناء انطلق الإعلام الحكومى فى التطبيل والتزمير لتحرير سيناء، والحديث المعاد عن أهميتها الكبيرة لأمن واقتصاد مصر، حتى إن المتابع يظن أن ثروات سيناء تكفى لحل كل مشاكل الوطن الاقتصادية، وطبعا لا يتناول الإعلام الحكومى بجدية وصراحة مشكلات سيناء، وتحولها إلى أحد مصادر تهديد الأمن القومى بسبب معاهدة السلام وسياسات الإهمال والتهميش لإخواننا فى سيناء. شخصيا كنت أتمنى بعد ثورة يناير أن تختلف التغطية الإعلامية والمعالجة السياسية لمشكلات سيناء وألا تظل مساحة منسية لا نتذكرها إلا فى 25 أبريل من كل عام، وبالمناسبة فإن الاحتفال بهذا اليوم هو أحد ابتكارات مبارك، فالرجل حتى لا نتجنى على التاريخ وحقائقه هو من تسلم سيناء من العدو الإسرائيلى ورفع العلم المصرى فوق ترابها، ومع ذلك لم يذكر الإعلام الحكومى شيئا عن المخلوع فى عيد تحرير سيناء، فكل التغطية الإعلامية ركزت على دور السادات فى حرب أكتوبر وفى التوصل لاتفاقية السلام، ثم تحرير سيناء بدون أى ذكر لمبارك، مع التضخيم من أهمية زيارة الرئيس مرسى لقبر الجندى المجهول، ومن أهمية خطط وهمية أعلنت عنها وزارة قنديل الفاشلة والتى لن تنجح فى تنفيذ أى خطة أو تحقيق أى إنجاز من أى نوع منذ تسلمت الحكم.
إنكار الإعلام الحكومى لدور مبارك فى تحرير سيناء، وعدم ذكر اسمه أو إظهار صورته هو طمس وتشويه للحقائق، ونموذج فج للدعاية الحكومية التى تغير الحقائق وتتلاعب بالعقول، وأنا هنا لا أدافع عن المخلوع وإنما أنتصر لقول الحقيقة والتوازن والموضوعية فى الإعلام الحكومى الذى يفترض أنه يمثل كل المصريين ويفترض أيضا أن يمثل المجتمع والدولة لا حكومه معينة أو توجها سياسيا لحاكم مهما كانت مشروعيته أو إنجازه. وأخشى أن ينتقل هذا التشويه التاريخى المتعمد إلى مناهج التعليم وكتب التاريخ فيحذف اسم المخلوع من تاريخ مصر أو تذكر سلبياته فقط من دون أى إشارة بأفعال إيجابية شارك فيها أو حدثت فى عصره.
أرجو أن لا نكرر أخطاء ملوك الفراعنة عندما كان يمحون اسم أسلافهم، وينسبون الإنجازات السابقة إليهم، وألا نكرر أخطاء عبدالناصر والسادات ومبارك عندما منع الأول كل ذكر أو صورة لفاروق وأجداده، وشوهت كتب التاريخ إنجازات محمد على وإسماعيل، ثم وقع السادات فى الفخ نفسه عندما منع اسم وصور عبدالناصر، بل منعت الإذاعة الأغانى الوطنية التى ظهرت فى العصر الناصرى وكرر مبارك نفس الأخطاء ولكن بدرجة أقل اقتصرت على محاولة سرقة نصر أكتوبر وتلخيصه فى الضربة الجوية، والآن هل يحاول الإخوان طمس وتغيير تاريخ مصر الوطنى وإعادة كتابته وفق رؤية الإخوان القاصرة والمتحيزة والتى ترى فى كل محاولات التحديث والتنوير مؤامرة استعمارية علمانية صهيونية ضد الإسلام والمسلمين، وهل بدأ تنفيذ مخطط أخونة تاريخ مصر بتشويه تاريخ تحرير سيناء بمنع اسم مبارك؟.
لاشك أن مبارك كان مستبدا وفاسدا وفرط بجهل واستكبار فى الأمن القومى لمصر وفى دورها الإقليمى والدولى، لكن كل هذه الخطايا لا تعنى أو تبرر شطب اسمه من التاريخ أو إسقاط فترة حكمه من تاريخنا الوطنى، لأن ذلك يعنى ببساطة تحويل التاريخ ومناهج التعليم إلى فصل من فصول الدعاية الحكومية التى تتغير بتغير الحكام والأزمنة، وهو أمر مرفوض، ولا يتسق مع روح العصر، ولابد من ذكر سلبيات وإيجابيات حكمه.