بصراحة.. أشم رائحة مريبة وراء الدعوات المشبوهة، التى تقضى بعدم تقديم التهنئة لأشقائنا الأقباط عندما تحين أعيادهم. دعك من أنها دعوات تكره الآخر وتحتقر معتقداته، ذلك أن طرح هذا الموضوع الآن من قبل بعض جماعات التأسلم السياسى يشير إلى عدة أمور مخيفة، منها:
• إنها دعوة مفتعلة تهدف إلى إنهاك الشعب فى مناقشة قضايا لن تفيد أحدًا، لا نحن المسلمين ولا أشقائنا الأقباط، بل ستضر الوطن وتهدد تماسكه وتضربه فى مقتل.
• وبدلاً من إعمال العقل وتوفير الجهد لمناقشة كيف نقضى على الأمية ونعالج ملايين المرضى وننصف ملايين الفقراء ونحقق العدل، بدلاً من ذلك يخرج علينا أصحاب الصدور الضيقة والأرواح الفقيرة طالبين منا ألا نهنئ أشقاءنا فى الوطن بأعيادهم.
• نسى هؤلاء المتطرفون أن القرآن الكريم قال: (ولقد كرمنا بنى آدم)، أى أن الله عز وجل كرم الإنسان فى المقام الأول، بغض النظر عن دينه وجنسه ولونه، فأتى أولئك المتطرفون ليحتقروا الأقباط، مادام يطالبون الناس بعدم تهنئتهم بأعيادهم، وكأن الأقباط ليسوا بشرًا.
• ليس عندى شك فى أن إطلاق هذه الدعوات المتخلفة الآن يستهدف أن تظل مصر دولة ضعيفة ومريضة ومتسولة تستنزف طاقاتها فى مناقشة قضايا عقيمة، وأنت تعلم وأنا أعلم القوى الكبرى والصغرى، التى لا تريد لمصر أن تنهض أو تتقدم أو تستقر.
• لا ريب عندى أيضاً فى أن الذين يطلقون هذه الدعوات المريبة إما عملاء لهذه القوى، وإما جهلاء يتم استخدامهم لتحقيق مصالح تلك القوى.
لكن من أين تسللت حشرة البغض إلى صدور أصحاب هذه الفتاوى الغريبة؟ إنها تسللت من عدم إيمانهم بفكرة الوطن، فلا وطن عند تيارات التأسلم السياسى، فى حين أنهم يعيشون فى وطن له حدود جغرافية، وقد دافع الأقباط عن هذا الوطن مع أشقائهم المسلمين فى كل الحروب، التى فرضت على مصر. ولعلى أذكر بكل امتنان فرحة ناظر مدرسة شبرا الخيمة الإعدادية بنين الأستاذ بديع باسيلى موسى ( رعى الله أيامه إذا كان حيًا، ورحمه رحمة واسعة إذا كان قد رحل عن دنيانا). هذا الناظر النبيل هتف فينا نحن الطلاب ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 بعد الفسحة حيث صاح: (لقد انتصرنا يا أبنائى على إسرائيل وعبر جيشنا قناة السويس قبل دقائق).. وقد بكى حضرة الناظر وهو يخطب فينا فى ذلك الزمن البعيد.. بينما بعض أصحاب الدعاوى البغيضة لم يكونوا قد ولدوا آنذاك!
إن هؤلاء الكارهين للناس والوطن يطالبون الآن بعدم تهنئة الأقباط، وغدًا سيطالبون بقتلهم، فاحذروا وانتبهوا يا رجال التعليم والثقافة وشيوخ الأزهر المتسامحين!
وقبل أن أختم سأذكرك بمقطع من أغنية سيد درويش (أوعى يمينك) التى شدا بها قبل 95 عامًا تقريبًا.. يقول خالد الذكر:
اسمع.. اسمع.. منى كلمة
إن كنت صحيح بدّك تخدم
مصر أم الدنيا وتتقدم
لا تقول نصرانى ولا مسلم
ولا يهودى.. يا شيخ اتعلم
اللى أوطانهم تجمعهم
عمر الأديان ما تفرقهم.
هكذا كان يغنى سيد درويش قبل قرن من الزمان، ولكن هل سمع كارهو الناس هذه الأغنية، أو سمعوا سيد درويش أصلاً؟ إنهم فقراء القلب والروح والوجدان!
أخى القبطى.. لا تحزن ولا تبتئس، وكل عام وأنت طيب.