ليس هذا بلاغا فى أحد، ولا فى مسألة ما تخفى على أحد. لكنه رأى أتصور أن عدم الدراية به هو أحد أسباب أزمة هذه الأمة التى تصيب المتابع أحيانا باليأس، فيقرر الابتعاد.. لكنه لايلبث أن يعود للمتابعة والمشاركة بقدر ما يستطيع من جهد.
1 - الأحكام القضائية:
منذ سنوات نسمع ونرى فى الفضائيات والصحف حوارات حول الأحكام القضائية. ورغم المقولة الشائعة بأن الأحكام القضائية، يجب عدم التعليق عليها، لكن المتحدث أو الكاتب غالبا يتحايل ويقول لك إنه لا يعلق على الحكم القضائى، ولكن لو كانت المحكمة فعلت كذا وكيت، أو لو أن المحامين انتبهوا إلى كيت وكيت، وتجد نفسك وسط تعليقات على الحكم القضائى، وكل الأحكام القضائية ينتهى الأمر بنسيانها فى النهاية، لكن هناك أحكاما تجد لها مكانا فى التاريخ لا يمكن نسيانه، مثل الحكم الأخير ببطلان تعيين النائب العام طلعت عبدالله مكان النائب السابق. تاريخية هذا الحكم ليست أنه ضد النائب العام الجديد، ولا قرار الرئيس نفسه، وإن كان هذا محسوبا، لكن من الجدل الذى أثير حوله، ولا أعرف إلى أين ينتهى قبل أن ينشر هذا المقال، فهنا نائب عام يعرف أن القاضى، أى قاض، يتنحى وحده عن القضية، أى قضية، إذا ظهر له أنه على علاقة قريبة أو بعيدة بأحد المتقاضين، يعفى نفسه من أى حرج، لذلك كنت أتصور أن النائب العام السيد طلعت عبدالله، لا يدخل فى دهاليز الطعن، أو التفسيرات المختلفة للحكم، لأنه وهو نائب عام للأمة كلها، كان عليه ألا يسمح أن تشوب ثوبه شائبة، هل هذا صعب الإدراك؟ لا أظن. لكنه يشارك فى جعل المسألة سياسية وليست قانونية، وهكذا حتى لو تم الطعن على الحكم وجاء الطعن مؤيدا لبقائه.
2 - باسم يوسف:
لم أندهش من أمر ضبط وإحضار باسم يوسف إلى النيابة بأى تهمة، ولا أندهش من أمر ضبط وإحضار أى أحد الآن من الثوار، أو الصحفيين، والإعلاميين أوغيرهم، فمنذ أعلن الرئيس أنه لا يريد أن يفعلها، وأنه يستطيع أن يفعلها، فى خطاب الأصابع الشهير، بدأت فى اليوم التالى مباشرة أوامر الضبط والإحضار لمن ينتقدون الرئيس، وعادت من جديد مقولة أن الرئيس هو مصر، ياعينى يامصر، شفتى رؤساء كتير ماتوا كلهم، وفضلتى انتى وماحدش دارى، ما علينا.. المهم فريق المستعدين لتقديم البلاغات كبير. أكبر من أيام الحزب الوطنى. وكل واحد منهم يعلن أنه شعر بالأذى من برنامج باسم يوسف، رغم أنه يستطيع أن يدير محطة التليفزيون إلى أى محطة أخرى، ولا يشعر بالأذى. ابتداء من قناة التيت إلى قناة الناس.. لماذا يجبر الإنسان نفسه على سماع أو رؤية مالايحب حقا؟، والأخطر هو اتهام باسم يوسف بازدراء الأديان، لأنه يسخر من بعض من يسمونهم بشيوخ الفضائيات الذين فى الحقيقة يملأون الدنيا شتائم، وتعرض للناس، ناهيك عن التكفير.. لكن لم لا. يقال إنهم رموز الإسلام ولا مسلمين غيرهم؟ والحقيقة أن باسم يوسف يقدم برنامجا ساخرا، يتفوق على ما اعتدنا عليه من سخرية.. برنامجاً يكسر التابوهات الساذجة سبب تأخر هذه الأمة، وهو إصباغ فكرة الألوهية والرسولية على بنى البشر. لا إله إلا الله ولا نبى إلا محمد ومن سبقه من الرسل.. وحتى هؤلاء كانت لهم أخطاء لكن باسم يوسف، لايدخل أبدا إلى هذه المنطقة، فهو يعرف جيدا أن التليفزيون يقدم برامج لمشاهدين يعيشون الآن، وكى يتابعوه لابد أن يعرض لهم القضايا التى حولهم. وليس دراسات فى الفلسفة مكانها كتب المتخصصين.
3 - الفجوة الكبرى:
هناك أسباب يعرفها كل متابع الآن للصراع القائم فى مصر، بين نظام أتت به الثورة والثوار فى خطوة أرادوا بإغلاق كل أبواب الماضى، وبين الثوار الذين فوجئوا أن هذا النظام يفتح الأبواب لكل مظاهر النظام القديم، ويستخدم نفس أدواته بقسوة تفوقه باعتبار أنه آت من السماء ولا حجة لأحد على الأرض عليه.. هل كان هذا النظام حقا عدوا كما يقال للنظام القديم أم كان الوجه الآخر لصورته؟، كلاهما جعل الاستحواذ طريقته، وازدراء الشعب نظرته، هذا باختصار. والتفاصيل كثيرة، وإذا استمر هذا النظام فسنجد كثيرا من رموز النظام السابق، أكثر مما نجد فى الحكم. المهم هنا الآن أن أنبه إلى حقيقة تلخص الصراع القائم بعيدا عن مفردات السياسة، وهذه الحقيقة هى أن هذا الجيل الذى صنع الثورة يختلف عما سبقه من أجيال، هو لم يأت من أحزاب قديمة ناضلت بحق أو بغير حق ضد النظام السابق. هو قادم من العالم المعاصر. عالم الحداثة التى لاتعرف إلا القضايا الكبرى فى صورتها الأولى. فالحرية تعنى الحرية إلى أقصى مدى. والكرامة تعنى الكرامة فى كل شىء، والعيش يعنى الحياة على أحسن ما يكون، والعدل يعنى المساواة إلى النهاية بين الناس. جيل لا يرى لطبقة فضلاً على أخرى. لا الطبقة العاملة على غيرها، ولا الفلاحين على غيرهم، ولا رجال المال والأعمال على غيرهم ولا المتعلمين على الجهلاء ولا المثقفين على العاديين. صحيح أنه إذا وصل هذا الجيل إلى الحكم سيجد نفسه منحازا لفريق دون فريق، مؤقتا على الأقل للخروج من الأزمة حسب أولوياتها لكنه لم يصل إلى الحكم بعد. لايزال بعيدا فى الشارع فهو المكان الوحيد الذى ترتفع فيه هذه الشعارات إلى غاياتها. ويقول لك جميع من تسمعهم من شبابه إنه المهم الآن هو خروج الإخوان من الحكم، لكن لا عودة لاضطهادهم مرة أخرى فحقوق الإنسان لابد أن تكون مكفولة للجميع، رغم أنهم لم يكفلوها لأحد، وهكذا تدرك عمق الأزمة أو الفجوة، فالنظام ومن معه، السياسة عنده أن يكون وحيدا فى الانفراد بأمور البلاد، وليس مهما أن تخرب، ولاقيمة لأى إنسان خارج الأهل والعشيرة، بل يحمل أجندة متخلفة فى العادات والتقاليد والأخلاق العامة. والثبات عنده أهم من الحركة. فلا رأى لك فى السياسة غير مايقوله الحاكم، ولا رأى لك فى الملبس أو المأكل أو الحركة غير مايقولونه هم، وبالطبع فى الفن والإبداع والكتابة الفكرية بشكل عام، مرجعية هؤلاء الذين يسمون أنفسهم إسلاميين، لا علاقة لها بالأرض المصرية، ولا بتاريخ مصر الحديث ولا القديم. التاريخ رموزه غير مصريين، والبلد الذى ظهر وعاش حول حوض النيل، يجب أن تكون ثقافته وتقاليده عندهم من الصحراء العربية، حتى إنجاز المصريين التاريخى فى الوصول إلى الله والتوحيد، لا يحسب للمصريين.. وحتى فهم المصريين لليهودية زمان وللمسيحية وللإسلام لا يحسب للمصريين، والتفاصيل كثيرة جدا ليس مكانها مقال هنا أوهناك. لكن إجمالها فى جملة، أن جيلا جاء من فضاء الحداثة فى مواجهة أجيال تحمل أفكارا عفى عليها الزمن فى كل العالم المتحضر حولنا إذا كانت هذه الأجيال الحاكمة تعرف أن حولنا عالما متحضرا صار يسبقنا بآلاف السنين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة