ما أشبه الليلة بالبارحة، فى الماضى كان النظام السابق يعمد إلى تصفية الصحفيين والإعلاميين والمعارضين له فى الرأى من خلال قضايا الحسبة التى يرفعها بعض المحامين الموالين للنظام، ضد المخالفين معهم فى الرأى، ولعل رفع قضايا على بعض الصحفيين مثل إبراهيم عيسى، حينما نشر مقالات عن صحة الرئيس، خير دليل على ذلك ليخرج الرئيس فى النهاية ويشمل عيسى بعفوه الرئاسى.
ولكن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتى قامت ورفعت شعار الحرية ضمن شعاراتها دليل على حجم تشوق المجتمع المصرى للحصول على الحرية التى ناضل من أجلها، وضحى بأغلى شبابه للحصول عليها، ولكن أن تستمر ذات القضايا التى استخدمها النظام السابق بعد الثورة، فهذا أمر كارثى. فقد تم إحالة كل من عمرو أديب ولميس الحديدى ويوسف الحسينى للتحقيق معهم بتهمة تأجيج الشارع المصرى بأكاذيبهم، وإثارة الفوضى وتهديد السلم والأمن القومى، وإثارة القلاقل وخروجهم عن النهج الصحفى والإعلامى المعهود، وما تلا ذلك من التحقيق مع باسم يوسف أمام النيابة العامة، بتهمة إهانة رئيس الجمهورية وازدراء الأديان، وما تبعه فى اليوم التالى من إحالة الصحفى جابر القرموطى المذيع فى برنامج مانشيت بقناة أون تى فى، وشيماء أبوالخير صحفية ومستشارة اللجنة الدولية لحماية حقوق الصحفيين إلى نيابة أمن الدولة العليا أيضا، بناء على مناقشتهم إحالة باسم يوسف إلى نيابة أمن الدولة فى حلقة برنامج مانشيت، وحديث أبوالخير عن هذه القضايا يندرج ضمن قضايا الحسبة على المجتمع، وعليه تمت إحالتهم بتهمة بتكدير السلم العام، ونشر أخبار كاذبة، والتعرض لرجال القانون بسوء وفقا لنص البلاغ. ومن هنا فإن من الواضح أن النظام الحالى عمد إلى استخدام نفس الأسلوب الذى دأب على استخدامه النظام السابق.. من استخدام المحامين فى تصفية الصحفيين والإعلاميين، وهى أمور فى غاية الدقة، وتفتح الباب أمام قضايا الحسبة، لأنها ترفع من غير ذى صاحب مصلحة، أو نفع من رفع القضايا، وبالتالى فإن السبب الأساسى من رفع هذه القضايا بشكل عام، هو إرهاب وإسكات الصحفيين والإعلاميين عن الدفاع عن هموم وقضايا المواطن المصرى البسيط، وبالتالى فإن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة بعد موجة استدعاء الصحفيين أمام القضاء بهذه الصورة، فهو.. هل هذا مقدمة للقضاء على المعارضين السياسيين للنظام الحاكم، وأن يتم اتخاذ ذات التدابير مع النشطاء السياسيين ونشطاء المجتمع المدنى والمعنيين بقضايا حقوق الإنسان والقوى السياسية والمجتمعية المعارضة لطريقة إدارة البلاد؟، وأن يكون استدعاء الصحفيين والإعلاميين أمام النيابة مقدمة لموجة أخرى من الاستدعاء، وهى شخصيات ورموز للحركة الوطنية المصرية؟، وأن ما يحدث الآن هو ما هدد به الرئيس محمد مرسى فى خطابه الأخير بعد أحداث المقطم، حينما انتفض وهدد بموجة من القرارات؟. إذا صح هذا التحليل فإنه يمكن القول إن المجتمع المصرى يواجه فى الفترة المقبلة موجة من القرارات الصعبة، وأن النظام الحاكم كان أمامه بديلان، الأول هو الحوار الوطنى للوصول إلى حالة من التوافق المجتمعى على كيفية إدارة البلاد فى هذه المرحلة الحرجة، والبديل الثانى هو الانفراد بمقاليد الأمور، والتشبث بالسلطة، ورفض محاولة الحوار والقضاء على معارضيه، مثلما فعل النظام السابق، وهنا فإن الأيام المقبلة هى التى ستوضح الصورة، وتثبت أى البدائل اختارها النظام الحاكم فى التعامل مع الشعب، رغم أن موجة استدعاء الصحفيين والإعلاميين، لا تبشر بأننا على هذا النحو نسير بأى حال نحو الخيار الأول، والذى يفضى فى نهاية المطاف إلى تحقيق الديمقراطية المنشودة، والفصل والتوازن بين السلطات الثلاث، وتحقيق حرية الرأى والتعبير، بل تثبت أننا نعود إلى الورا، بل بأبعد من ثورة الخامس والعشرين من يناير.