قواعد العمل فى أغلب وسائل الإعلام المصرى تفتقد للحد الأدنى المعمول به دولياً من معايير الأداء الإعلامى، فلا يوجد تمييز بين الخبر والرأى، ولا تقدم كل وجهات النظر ولا يسمح برواية الخبر أو التعليق عليه بشكل متوازن، ولا يقف المذيع على مسافة واحدة تجاه الأحداث والأشخاص التى ينقلها، كما تحول بعض مقدمى البرامج إلى دعاة ونشطاء سياسيين، والأخطر ان بعض مالكى الصحف والفضائيات أصبحوا مديرين وكتابا ومفكرين، وتدخلوا فى توجيه السياسات التحريرية، تماماً كما تفعل الحكومة مع إعلامها الذى يفترض أن يكون إعلاماً لكل المواطنين.
الحكومة قبل الثورة وبعدها تحاول الهيمنة على الإعلام واستخدامه فى الترويج لسياستها وتزييف وعى الناس، والتضييق على الأصوات النقدية فى الإعلام، وهناك فروق كثيرة بين الإعلاميين الحزبيين الذين ينتمون لأحزاب أو حركات سياسية، وبين إعلاميين يمارسون دورهم المهنى والأخلاقى وينقدون أوضاع المجتمع والحكومة والمعارضة بشكل متوازن، وطبعاً يندر وجود الصنف الأول من الإعلاميين فى الدول الديمقراطية، حيث لا وجود أصلاً لإعلام تابع لأحزاب، ومن غير المقبول أن يظهر مذيع أو صحفى انتماءه السياسى أثناء قيامه بتقديم برنامج أو تغطية أحداث سياسية.
أما فى مصر بعد الثورة فهناك تنافس بين بعض الإعلاميين للعب أدوار سياسية والإعلان عن انتمائهم الحزبى، حيث أدى الاستقطاب السياسى فى المجتمع إلى تسييس الإعلام بصورة غير مسبوقة، وانتشار محاولات بعض الإعلاميين متواضعى الكفاءة والموهبة للتقرب من أحد المعسكرين المتصارعين لضمان الاقتراب من الحكم الجديد، أو تحقيق الانتشار والشهرة بين جمهور معسكر القوى المعارضة، وفى سياق هذا التنافس المحموم ترتكب أخطاء وتجاوزات مهنية بالجملة، فلا تدقيق لما يبث من أخبار بل ان نشرات الإذاعة المصرية تبدأ بعض أخبارها بعبارة «يتردد أن.. وعلم مراسل».. وتتبارى القنوات الخاصة والصحف الحزبية فى ضخ أخبار كاذبة، واختلاق وقائع لتشويه الطرف الآخر وممارسة أنواع غريبة من الشحن العاطفى والنفسى للحفاظ على الفرقة والاستقطاب بين أبناء الوطن، الأمر الذى يؤكد ان إعلامنا يحافظ على الاستقطاب والانقسام ويعيد إنتاجه لأنه ببساطة يغذى طموحات بعض الإعلاميين ويحافظ على مكاسب بعض رجال الأعمال الذين يملكون صحفا وقنوات إعلامية مؤثرة.
لكن فى المقابل هناك قلة محدودة من الإعلاميين الذين يقبضون بأيديهم على جمر المهنية، ويحاولون أن يسبحوا عكس تيار تسييس الإعلام والاستقطاب فى المجتمع، ويقدمون فى الوقت ذاته نقدا متوازنا للمشهد السياسى، ولجوانب القصور فى أداء الحكم، والمعارضة، والمفارقة أن هذا الصنف من الإعلاميين المهنيين أصبحوا أقل انتشاراً ودخلا من إعلاميى التهييج والتسييس، ربما لأن الجمهور تعوّد على إعلام الاستقطاب والتسييس، وأصبح يختار البرامج والمضامين التى تتفق مع مواقفه السياسية وتشبع رغباته فى كراهية المعسكر الآخر ورموزه، بمعنى أن الشخص المؤيد للرئيس وجماعته يختار من البرامج والمضامين ما يتوافق مع ذلك ويرفض البرامج المعارضة، كما يرفض أيضاً البرامج والمضامين المهنية التى تقدم وجهتى النظر، المؤيدة والمعارضة للرئيس وجماعته. ونفس القاعدة تنطبق على الشخص المعارض للرئيس وجماعته، ومن ثم أخشى أن نكون قد أصبحنا أمام عادات للقراءة والمشاهدة وتفضيلات للجمهور تعتمد على آلية الاستقطاب والانقسام فى المجتمع، وهو أمر خطير يقلل من تأثير ومصداقية الإعلام المهنى والمتوازن ويدعم من تسييس الإعلام والأخطر يعمق من ثقافة الفرقة والاستقطاب وكراهية الآخر فى الوطن الواحد.