وضعنى الصديق الباحث الوطنى سليمان شفيق أمام إحصائيات موجعة تتعلق بما يحدث للمسيحيين فى مصر من إبريل عام 2011 وحتى إبريل الحالى، وذلك بمناسبة ما حدث فى مدينة الخصوص بالقليوبية من فتنة بين المسلمين والمسيحيين أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.
قال سليمان إن العامين الماضيين بلغ فيهما عدد الشهداء الأقباط 59 شهيدا و741 جريحا، ولم يقدم أحد ممن ارتكبوا هذه الجرائم إلى المحاكمة، وحدث ازدراء للمسيحية 14 مرة من ياسر برهامى فى فتاوى مسجلة، وتمت مكافأته بانتخابه فى الجمعية التأسيسية للدستور، وحرق أبوإسلام «الإنجيل» وأفرج عنه بكفالة، وحدث تهجير قسرى لـ112 أسرة فى أسيوط والعامرية ودهشور ورفح، ولم تعد 41 أسرة إلى ديارها حتى الآن، وحرق ونهب 114 أسرة، والاعتداء على 24 كنيسة منها 4 حرقت ودمرت، وهذا الإرهاب أدى إلى تهجير 100 ألف أسرة نصفهم إلى جورجيا.
يستخلص سليمان شفيق من هذه الوقائع أن هناك مخططا من التيارات الإسلامية لتجريف مصر من الأقباط، وأن التمييز ضد الأقباط انتقل من التمييز إلى الاضطهاد وسط صمت المسؤولين.
ولأول مرة يدعو سليمان كوطنى قبطى إلى تدويل القضية، ويأتى ذلك منه على الرغم من أنه عاش حياته مناضلا وباحثا يساريا يعمل من أجل التقدم والحرية، وعلى الرغم من مسيحيته فإنه شديد الإيمان بالإسلام كحضارة، رافضا كل أشكال وأفكار التشدد الدينية مسيحية كانت أو إسلامية، ووصوله إلى مرحلة الدعوة لتدويل ما يحدث للأقباط، فهذا يعنى أن شيئا خطيرا يحدث الآن، شيئا يضع مصر فى مصاف الدول التى تأكلها الطائفية بتشجيع من نظام يحكم بضيق أفق، ولا يملك ما يقدمه نحو التقدم.
استنكار ورفض الطائفية لا يأتى بخطب إنشائية، وإنما بسياسات حقيقية تضع الكل سواء أمام القانون، وتؤدى لعدالة اجتماعية وديمقراطية سليمة، سياسات تتبنى حلما قوميا كبيرا يستحق التضحية لأنه سيعود بالنفع للجميع، ودون ذلك فستتزايد نار الطائفية ولن يستطيع أحد القضاء عليها. ما يحدث ضد الأقباط هو نتاج طبيعى لغياب العدالة وبث السموم باستدعاء نصوص دينية فى غير سياقها، ونتاج لتحريض ساقط من خيرت الشاطر أثناء المظاهرات الحاشدة ضد إعلان مرسى الاستبدادى، والذى قال فيه إن المتظاهرين أغلبهم من المسيحيين، وهو نفس التحريض الذى فعله الدكتور محمد البلتاجى القيادى بالجماعة، ووصل بهما الأمر إلى الزعم بأنهما يعرفان عدد المتظاهرين، وأن معظمهم من الأقباط.
كان ذلك تسطيحا فارغا للأمور، وكشفا للنوايا الخبيثة من الجماعة نحو الأقباط، كما كان ذروة التحريض الطائفى من قيادات بالجماعة لا تدرك كيف يكون حكم مصر، ولا تدرك أن هذا البلد ضارب بجذوره فى التاريخ، وأنه وطن للمسلم والمسيحى على حد سواء، وحين نضع هذا الكلام إلى جانب فتاوى فارغة من سلفيين تحرم تهنئة المسلمين للأقباط فى أعيادهم، ستكتمل الصورة البائسة لمن يزرعون بذور الاضطهاد للأقباط، ويحرضون بسطاء الناس من الطرفين على التعامل بطائفية. حين أطلقت ثورة 25 يناير شرارتها، اصطف المصريون أملا فى غد جديد، ذاب المسلمون والمسيحيون فى نسيج واحد وفريد، لكن الذين حكموا لا يذكرون شيئا من ذلك، مما دفع «وطنيا» واعيا مثل سليمان شفيق إلى كل هذا الغضب، فكيف يكون حال الآخرين؟