د. محمد على يوسف

بين ترخيص الكباريهات والاستزادة من التنازلات

الأربعاء، 01 مايو 2013 09:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دخل الإمام العز بن عبدالسلام على السلطان نجم الدين أيوب فى يوم العيد، وبين يديه جنده وحاشيته، فناداه قائلا: يا أيوب، ما حُجتُك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر، ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى هذا؟!

قال العز: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب فى نعمة هذه المملكة، فقال: يا سيدى هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبى، قال الشيخ: أأنت من الذين يقولون: «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ» فأمر السلطان بإغلاق تلك الحانة فورا. هذا الموقف الذى ذكره السبكى فى طبقات الشافعية هو ما تبادر إلى ذهنى مباشرة عند معرفتى بالخبر المؤسف الذى نُشر الأسبوع الماضى ولم نسمع تكذيبا أو إنكارا له إلى لحظة كتابة هذه السطور ولازلنا ننتظر ونتمنى!

الخبر هو قرار وزارة السياحة مدّ تراخيص الملاهى الليلية «الكباريهات» لثلاثة أعوام مقبلة، بدلا من عامين كما جرت العادة من قبل، هذا الخبر قد يمر مرور الكرام إن لم تكن الحكومة التى اتخذته، والرئيس الذى كلف هذه الحكومة، والجماعة التى تدعمهم ينتسبون للإسلام ويعدون بتطبيقه، وقد يتم تبريره أيضا بأنه ميراث النظام الغابر إن كان قد استمر على مدته السابقة، مع استدعاء تبريرات الاستطاعة والتدرج والاضطرار وغير ذلك مما يبرر به كل شىء تقريبا، من أول القروض الربوية، إلى التطبيع مع إيران، إلى منع الضباط الملتحين، وانتهاءً بتقدير الموقف الروسى من الثورة السورية، والقائمة تطول، لكن الأمر هذه المرة مختلف، لقد جوَّد القوم تنازلهم الذى من المفترض أنه اضطرارى كما يؤكدون دوما، وبدلا من أن يبدأوا خطة لتطهير البلاد من أوكار الخمور وأقبية الفجور، وحانات الرقص والرذيلة، قرروا –إن صح الخبر وأرجو ألا يصح- أن «يبقششوا» ويزيدوا فى ترخيصها عاما كاملا من عندهم!.

عام زائد من الرقص والمسخرة فى ميزان من؟! ولماذا؟ ألتنشيط السياحة كما زعم البعض؟ وهل من المفترض أن نقبل أن تكون بلادنا ملاذا لمن أرادوا الترفيه عن أنفسهم بمعصية الله؟! هل من المفترض أن نسلم بالفكرة المأخوذة عن بلادنا بالخارج، ونغض الطرف عن استمرار الرقص لباقى أعوام ولاية د.مرسى؟! هل من المفترض أن نغلق أعيننا، ونخرس ألسنتنا عن تلك المنكرات البينات، لمجرد أن مرخصها يحمل شعارا إسلاميا؟!
إن الإسلام منهج حياة عملى، له دلائل وشواهد، وما نراه اليوم يجعلنا نقولها بكل صراحة: ما على هذا انتخبناكم، وما كان هذا هو العهد الذى عاهدت القوم عليه يا دكتور مرسى حين قلت: أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم. وقبل أن يسارع المبررون برفع المسؤولية عن الرئيس، وتعليقها على الشماعات المعتادة فليراجعوا نص المادة 141 من الدستور الذى حشدوا لقبوله، والتى تنص على أن الرئيس يتولى سلطاته من خلال وزرائه. أى أن الرئيس حتى لو لم يتخذ القرار بنفسه، إلا أن مسؤوليته عن أفعال الحكومة بموجب النص تجعله فى مقام من وقع القرار أو على الأقل أقره، والآن من حقنا أن نسأل وقد تأخر البيان ولم يخرج أحد لينفى أو حتى يستنكر، وخصوصا أولئك الذين يرون العيوب فى الجميع، وينكرونها بكل قسوة بينما لا نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزا، إذا تعلق الأمر بالسلطة، ولئن سمعنا منهم فهو حيى النكير المتسربل بالتبرير والتسويغ! وتبرير الخطأ هو فى رأيى أخطر من الخطأ نفسه، أما الأسوأ على الإطلاق فى نظرى فهو تجويد الخطأ والمبالغة فى التمرغ فى وحله. ولئن قُبل التنازل حين الاضطرار، فلا يُقبل أبدا تجويد هذا التنازل والاستزادة منه، والمبالغة فى الترخص فيه. ولئن كنتم ترون أن هذه أمور بسيطة، وأننا نهول ونترصد أو نريد عرضا زائلا بنكيرنا كما هى قائمة التهم المعتادة، فهذا شأنكم، وهى اتهامات لن ترهبنا، والله يحكم بيننا، وهو عليم بنياتنا، ووالله مهما قلتم فلن نسكت عن مثل هذه الفواحش الظاهرة، التى ما فشت فى قوم فجاهروا بها إلا ابتلاهم الله، ولابد أن نعلم حقيقة الأمر ونسمع حجة مرتكبيه، أو حتى نفيهم، ولئن لم يحدث ذلك فسنظل نُذَكِّر، وننصح وننكر كما فعل الإمام العز بن عبدالسلام وغيره من الصداعين بالحق، وبمثل قوله سنصدع: أيها الرئيس ما حُجتُك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك حكم مصر، ثم ترخص للكباريهات وتستزيد من التنازلات؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة