فى مراحل التحول التى تمر بها المجتمعات تشهد صراعًا عميقًا حول عدة قضايا وجودية تتصدرها «مسألة الهوية» فبينما تمضى جماعة الإخوان فى مخططها لأخونة المجتمع وتفكيك «الدولة العميقة» وبالأحرى «العريقة» لإعادة تشكيلها على أسس تجعلها مطية لمشروعهم الأممى «دولة الخلافة»، أو على الأقل لا تقف عائقًا أمام هذا المشروع الذى يرى الوطنية «وثنية»، ولا يعير الإخوان فى سبيل ذلك أدنى اهتمام لمعارضيهم أو حتى حلفائهم السلفيين. كان «الترقيع الوزارى» الأخير أحدث محطات هذا المخطط، إذ وصفه الحلفاء قبل المعارضين المدنيين بأنه «هلوسة سياسية» تكرس لنفوذ الإخوان، الذين لا أدرى إن كانوا يدركون تراجع شعبيتهم لأدنى مستوياتها، أم أنهم مازالوا يكابرون. ما لا تدركه جماعات الإسلام السياسى فى تاريخ مصر أنها «حضارة تراكمية»، فقد هضمت كل الثقافات الدخيلة عليها منذ أن جعلت الإسكندر المقدونى «ابنًا لآمون»، حتى بلورت «الدين الشعبى» إسلاميًا، الذى يرتكز على معادلة دقيقة يتصالح فيها أهل السنّة مع المتصوفة، ولا تعانى «عقدة التشيع» كغيرها من البلدان، فأخذت مصر من التراث الفاطمى أجمل تقاليده دون أن يغيروا مذهبهم. وليس من قبيل النبوءات بل هى حسابات سياسية وحضارية أزعم أنها دقيقة وعميقة وموضوعية، فإن الإخوان وأشياعهم سيجدون أنفسهم فى نهاية المطاف «تمصروا»، بدلا من الخرافة التى يلهثون خلفها وهى «أخونة مصر» لسبب بسيط هو أن مصر أكبر من معدة «تنظيم سرى شبه عسكري»، فقد كان العثمانيون وبعدهم الفرنسيون والإنجليز «أشطر» منهم. حكمة التاريخ وتحضر المصريين وإيمانهم الراسخ بعدالة الله، أمور تستحق الرهان عليها، فمصر التى جعلت البطالمة «فراعنة»، وأسبغت على المسيحية رداء وطنيًا انطلقت شعلته من مدرسة الإسكندرية، التى قدمت للعالم «أوريجون» أول لاهوتى فى التاريخ المسيحي، وأثناسيوس الذى تحدى العالم، وأنطونيوس وباخوميوس وبولا الذين أسسوا «الرهبنة»، ثم احتضنت كبار الفقهاء المسلمين كالإمام الشافعي، وكبار المتصوفة مثل «ذو النون المصري» وغيرهم، هذا البلد قادر بكل ثقة على احتواء وتهذيب «شهوة التسلط» التى تراود الإخوان ومن يصطفون خلفهم سواء عن عقيدة مشوشة أو انتهازية، لهذا لست قلقًا على مستقبل مصر، بل يكاد يقينى بهذا البلد والشعب لا يقل عن إيمانى بأن الله لن يتخلى عن مصر، وأنها فى عهدته إلى يوم الدين، والأيام بيننا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة