التعديل الوزارى الأخير فى حكومة الباشمهندس الدكتور قنديل رفع عدد الوزراء الإخوان، ومن نصيب المهندسين فى الحكومة، وتحديداً خريجى قسم مدنى، ويصعب تفسير هذا التحيز لخريجى الهندسة لأنه قد يرتبط بشخص الرئيس مرسى وتخصصه، أو وجود علاقات زمالة وصداقة تجمع رئيس الحكومة بهؤلاء المهندسين. أيضا يمكن تفسير الميل نحو أبناء التخصص من زاوية الثقة والرؤية غير الدقيقة للذات والعالم، فبعض رجال القانون ينظرون للعالم من زاوية قانونية وربما ينظر بعض المهندسين للعالم وللنهضة من زاوية هندسية. فى هذا السياق يمكن قراءة تاريخ مصر من زاوية تكوين نخبة السياسة، فنخبة محمد على مؤسس نهضتنا الحديثة كانت فى الأغلب تركية ذات خلفية عسكرية، ومع ثورة عرابى قفز العسكر لقيادة الدولة لكن سرعان ما اختفوا بعد الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882، ومع بداية الحركة الوطنية برز دور خريجى الحقوق فى السياسة والحكم، حيث كانت لهم الأغلبية فى تشكيل وزارات ما قبل ثورة 1952، بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية وما إذا كانت الوزارات التى شاركوا فيها منتخبة أم تابعة للقصر أو الاحتلال.
مع ثورة يوليو هيمن العسكر على تشكيل الوزارات ولكنهم أشركوا تكنوقراط واقتصاديين ومهندسين أكفاء، لكن العسكر كانت لهم اليد الطولى فى تسيير الدولة، ومع 25 يناير برز حضور رجال دين وممثلين لجماعات الإسلام السياسى فى نخبة السياسة والحكم، وهذا تحول مفهوم فى ضوء التعاطف الشعبى مع الإخوان والسلفيين باعتبارهم كانوا ضحايا لنظام المخلوع كما تمتعوا بقدرات تنظيمية عالية مكنتهم من الحصول بسهولة على أغلبية أصوات الناخبين، ورغم أن جماعات الإسلام السياسى لديها ممثلون من جميع التخصصات - الكفاءة هنا محدودة ونسبية – ولديها أيضاً بعض الكفاءات، إلا أن الاختيارات استبعدت أهل التخصص والكفاءة من داخل التيار الإسلامى، ومن خارجه، لصالح أهل الثقة من الإخوان والمتأخونين، والأغرب أنها استبعدت السلفيين المتحالفين سياسياً مع الإخوان فى البرلمان المنحل وتأسيسية الدستور، والمفارقة الأكثر غرابة أن أغلبية الوزراء والمسؤولين فى المواقع التنفيذية جاءوا من بين خريجى الهندسة مع التركيز على قسم مدنى!
رسالتى للرئيس وجماعته أن الرؤية الضيقة للذات والتخصص قد تقود للكوارث أو على الأقل لعدم إدراك الواقع، نتيجة غياب التكامل بين التخصصات فى تكوين نخبة الحكم، والفرضية التى أطرحها هنا أن نخبة السياسة والحكم فى مصر عانت تاريخيا من مرض الانغلاق على التخصص وأمراض الشللية والتحزب، وبالتالى ضيعت على نفسها وعلى الوطن فرصة العمل المشترك وتكامل التخصصات، وأعتقد أن حكم الإخوان الآن يغالى فى التحزب والانغلاق على التخصص الواحد (هندسة) أكثر من نخبة رجال القانون قبل ثورة يوليو، بل أكثر أيضاً من نخبة العسكر بعد 1952، فقد كانوا يستعينون بتخصصات مختلفة وخبراء وطنيين من أصحاب الكفاءات النادرة، وبعض هؤلاء (أمثال فتحى رضوان وعزيز صدقى وحلمى مراد وعبدالعزيز حجازى) لم يكن على اتفاق تام مع التوجهات السياسة لعبدالناصر أو السادات لكنهم وجدوا مساحة كافية لخدمة الوطن. أما حكم الإخوان فلا يسمح للكفاءات الوطنية بالتعاون، لأنه حكم يعتمد على أيديولوجية جامدة وتنظيم حديدى منغلق على نفسه وأفكاره ورجاله، لكن الغريب أنه لا يختار الأكفاء بين أعضائه ويفضل دائماً المتأخونين، والأغرب أنه يختار خريجى الهندسة!