لا يبدو أن الرئيس ورئيس الوزراء مهتمان بقضية الأمن، ولا يشعران بما يشعر به المواطنون الذين فقدوا الأمل فى وجود دولة أو هيبة، وهم يشاهدون عصابات الترويع والبلطجة تمارس عملها بكل ثقة، وتعرف أنه لا يوجد قانون أو عقاب. ولا تكفى صفحات الحوادث للتعرف على حالة الغياب الأمنى عن الشارع ليس فقط فى المناطق المقطوعة، وإنما فى الأماكن المأهولة وسط القاهرة وفى الشوارع، ولم يعد اللصوص وقطاع الطرق ينتظرون الليل ليبدأوا عملهم فى الظلام، لكن عمليات التثبيت بالسنج والسيوف والخناجر والخرطوش تتم نهارا وعلى مرأى ومسمع من الجميع.
قصة التثبيت والخطف جزء من حكايات المواطنين اليومية، مصحوبة بمصمصة الشفاه. والمثير أن السرقة بالإكراه تتكرر فى نفس الأماكن، لا فرق هنا بين فيصل والمهندسين بالجيزة، عن روكسى وطلعت حرب بالقاهرة. وفى باقى المحافظات، والطرق الزراعية والصحراوية، والطريق الدائرى والمحو، والتكرار، لا يعلم الأمن ولا الشطار، وبلاغات المواطنين لا تجد صدى أو استجابة ولا يتحرك رجال المباحث ليتابعوا المكان ويقبضوا على اللصوص، والنتيجة أن الحرامية يواصلون عملهم وينصبون كمائن ثابتة لاصطياد الزبائن، لشعورهم بأنهم بعيدون عن العقاب.
هناك عصابات منظمة وبعضها يضم شبابا لأول مرة يعمل تحت ضغط البطالة، ويتشجع من غياب العقاب، فينضم لعصابة. ونفس الأمر بالنسبة لعصابات البلطجة التى تفرض نفوذها على المحلات أو المواطنين وتكسر وتعاقب وتقطع الطرقات، أو تعتدى على أراضى الدولة والأرض الزراعية، فضلا عن إمبراطوريات التوك توك، الكائن الذى أصبح يفرض وجوده ويعطل المرور أو يسير فى أى شارع بلا رابط أو ضابط، كلها علامات على انهيار الدولة، وغياب الردع والقانون، وهو ما يشجع المزيد من البلطجية على الإجرام.
ويرد البعض بالقول إن هناك تواجدا للشرطة فى بعض المناطق، وهناك يوميا شهداء وجرحى من الشرطة فى مواجهة لصوص وقطاع طرق وتجار مخدرات. وهو أمر موجود لكنه لا يشكل قاعدة، لأن الناتج النهائى هو تكرار عمليات الخطف والسرقة بالإكراه، وتكرارها فى نفس الأماكن، ثم إن تكرار الاعتداء على رجال الشرطة من قبل بلطجية ومجرمين ومرور ذلك من دون عقاب، يؤكد ما نقوله عن استهانة الداخلية بأرواح رجالها، وتراجعها فى مواجهة اللصوص والبلطجية. وظاهرة البلطجة التى تجتاح المناطق الشعبية وغير الشعبية، وهى بلطجة لا تجد من يواجهها، بالرغم من أن البوليس على علم بها ويتجاهلها، كما يتجاهل الاستعراضات المسلحة لبلطجية يقطعون الطرق يوميا بدعوى مواكب الزفاف، ويطلقون النار علنا، كل هذا بلا مواجهة.
والشرطة نفسها أصبحت ضحية لعصابات لا تخاف بل ربما تتعمد ترويع الشرطة، لدرجة سرقة سيارة مساعد وزير الداخلية بالإكراه فى مدينة نصر، وخطف سيارة عميد فى الجيزة بالإكراه، بعد إطلاق النار على موكب رئيس الوزراء من عصابة بلطجية كانت تتجه من معركة لأخرى. ولا يبقى سوى أن يتم خطف سيارة وزير الداخلية، أو تثبيت موكب الرئيس وإنزاله وسرقة السيارة.
هناك حالة من الاستهانة بالقانون والدولة والشرطة، وتهاون فى مواجهة السلاح غير المرخص، ودعم تهريبه، ليصبح فى يد الجميع مثل المحمول.
هذه الفوضى تشير لضعف الدولة وانهيار هيبتها، وهى مسؤولية الحكومة وليس فقط وزير الداخلية، والرئيس هو المسؤول الأول والأخير، فهو الذى يعين رئيس الحكومة ويعطيها التعليمات.