أحدث لقاء البابا تواضروس بابا الكنيسة المصرية الأرثوذكسية مع البابا فرنسيس الأول بابا الكنيسة الكاثوليكية يوم الجمعة الماضى ردود أفعال غير عادية على المستوى المحلى والعالمى، ذلك لدلالات هذا اللقاء التاريخى، حيث إنه من المعروف أن هناك صراعاً عقائدياً بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية مذ القرن الرابع الميلادى، للدرجة التى قامت فيها كل كنيسة بحرمان الكنيسة الأخرى أى رفضها وتحريمها، وظل هذا الصراع وذلك الرفض حتى قيام البابا شنودة الثالث بزيارة الفاتيكان منذ أكثر من أربعين عاماً، ولكن ظلت العلاقة على غير ما يرام، فجاء البابا تواضروس والبابا فرنسيس، وكان بينهما ما هو مشترك، فكلاهما من أبناء العالم الثالث أفريقيا وأمريكا اللاتينية، كلاهما يتصف بالصفة الروحية المتواضعة، ولذلك وعندما طلب البابا تواضروس من مندوب الفاتيكان الزيارة كانت تلبية البابا فرنسيس سريعة جداً، ولذلك قد رأينا أن لهذا اللقاء آثارا إيجابية على أكثر من مستوى، أولاً: توطيد العلاقة بين الكنيستين كرغبة مشتركة مما يزيل الصراع العقائدى المتراكم تاريخيا، والذى لم يكن لصالح أى من الكنيستين، خاصة أنه لا يجب ولا يليق أن يكون هذا الصراع، وللأسف باسم الدين، ثانياً: كانت هذه المبادرة من الكنيسة المصرية خاصة بعد تشكيل مجلس الكنائس المصرية الذى يجمع كل الكنائس فى مصر، ولذا فمن الطبيعى أن تمتد الفكرة إلى خارج مصر ومع الكنيسة الكاثوليكية باعتبارها كنيسة عالمية جامعة، ثالثا: بلا شك فإن علاقة البابا تواضروس والكنيسة المصرية مع الإمام الأكبر والأزهر الشريف هى علاقة مصرية وإنسانية تتسق مع روح الأديان ومقاصدها العليا، فكان من الطبيعى أن تقوم الكنيسة المصرية بإعادة العلاقة بين الأزهر والكنيسة الكاثوليكية، خاصة أن الحوار الإسلامى المسيحى بينهما كان قد توقف نتيجة لتصريحات البابا بندكتوس السادس عشر التى تسىء للإسلام، كما كان هناك تصريحات من الباب بندكتوس فهمت على أنها تدخل فى العلاقة الإسلامية المسيحية فى مصر، ولذا فقد قام بابا الإسكندرية بدور رائع لإعادة الحوار الإسلامى المسيحى لأنه مطلوب جدا فى ظل الظروف التى يعيشها العالم تحت دعوى ما يسمى بصراع الأديان والذى يغذيه الكثيرون الذين يستغلون هذا الصراع لمصالح لا علاقة لها بالأديان، حيث إن الأديان والحضارات تتكامل ولا تتصارع، وهذه حكمة إلهية أرادها الله سبحانه وتعالى، كما أن هذه الزيارة تؤكد بطريقة غير مباشرة اقتناع البابا تواضروس بقيمة الحوار، ولذا فمن الطبيعى حتى يكون هناك صدق للحوار الإسلامى المسيحى أن يكون هناك صدق للحوار المسيحى المسيحى، أما الكلام حول طرح مشاكل الأقباط فى حوار الفاتيكان هنا لابد أن نؤكد على أن البابا تواضروس قد أعلن كثيراً أن الكنيسة لا دور سياسيا لها ونتمنى أن يظل محافظاً على هذا وألا يستمع إلى بعض المتاجرين بقضية الأقباط، والذين يطرحون حلها على أرضية طائفية، كما أن تصريحات الوفد المصاحب للبابا قد أعلن أن البابا تواضروس قد أعلن أن مشاكل الأقباط لا تطرح ولا تحل خارج مصر، وهنا وبهذه المناسبة نريد أن نقول للسلطة الإخوانية الحاكمة إن مشاكل الأقباط هى مشاكل لمواطنين مصريين حلها مسؤولية النظام الحاكم، خاصة أن الإخوان يتعاملون مع الشارع المسلم الذى يمكنهم إقناعه بحل هذه المشاكل ليس من منطلق المواطنة فقط، ولكن من منطلق قيم الإسلام التى تقبل الآخر، ولا بد أن نعلم أن الإسلاموفوبيا لا تركز على غير فكرة عدم قبول الإسلام للآخر بما يسىء للإسلام فى الوقت الذى يقر فيه الإسلام «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، فهل تكون هذه الزيارة بداية الحوار، مصرى إسلامى مسيحى، حيث إن هذا هو أصل أى حوار آخر، نتمنى ذلك، حيث إن الحوار هو البداية الصحيحة لحل المشاكل ولترسيخ التوحد الوطنى حتى تظل مصر لكل المصريين.