هل يعنى أن وزيرا عمره 35 عاما، سيفعل ما لا يفعله وزير عمره 60 عاما أو أكثر؟ أطرح هذا السؤال بمناسبة زف حزب الحرية والعدالة بشرى إلى المصريين، بأن التعديل الوزارى الأخير فيه «أصغر وزير فى تاريخ مصر» وهو الدكتور يحيى حامد وزير الاستثمار «35 عاما».
وبقدر ما يحمل هذا الترويج من خطأ فى المعلومة، بقدر ما يفتح المجال لرؤى أخرى حول صحة اختيار الوزراء والمسؤولين طبقا لعمرهم، وموقع هذه المسألة من طبيعة النظام السياسى الذى يحكم مصر.
فى الرد على الترويج الخاطئ لهذه الفكرة، سنجد فى تاريخنا أن فؤاد سراج الدين باشا تولى وزارة الداخلية وعمره 32 عاما، أى أن السبق التاريخى فى ذلك لا يعود إلى الوزير الحالى «يحيى حامد»، كما روج حزب الحرية والعدالة مبشرا الشباب بأن من بينهم من أصبح وزيرا.
أما موقع هذه القضية فى طبيعة النظام السياسى الذى يحكم مصر، فستجد فيه مفارقات مدهشة، منها مثلا أن مرحلة الثورات ليس فى مصر وفقط وإنما فى تاريخ ثورات العالم، ستجد فيها أن معدلات العمر لقياداتها تكون غالبا فى الثلاثينيات من العمر، ولو أخذنا مصر نموذجا، سنجد عمر جمال عبدالناصر 34 عاما وقت قيادته لقيام ثورة 23 يوليو 1952، وكان عمر باقى أعضاء تنظيم الضباط الأحرار الذى قاد الثورة فى مثل عمر عبدالناصر وبعضهم أقل منه عمرا، والمؤكد أن هذا كان له تأثير كبير فى اختيار الوزراء والمسؤولين، وأذكر أننى فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، أجريت دراسة مطولة حول ذلك وكانت نتيجتها أننا أمام مرحلة، كانت هى الأكثر تقديما للشباب فى جميع المجالات، كان فيها عشرات الوزراء والمسؤولين صغار السن، ومنهم الدكتور عزيز صدقى أول وزير للصناعة عام 1956 وعمره 36 عاما، ومثله الدكتور مصطفى خليل وزير النقل والمواصلات، وغيرهما، وفى الفن جاء عبدالحليم حافظ وبليغ حمدى وكمال الطويل ومحمد الموجى ومحمد رشدى، وجميعهم كانوا فى نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من العمر، وفى نفس العمر جاء فى الإبداع الأدبى يوسف إدريس وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى وغيرهم، ولو أخذنا نموذجا كبيرا مثل حدث تأميم قناة السويس فسنجد أن الأربعة الذين قادوا تنفيذ عملية التأميم، وهم محمود يونس «36 عاما»، وعبدالحميد أبوبكر وعزت عادل، ومشهور أحمد مشهور «فى النصف الأول من الثلاثينيات».
هذا الطيف الشبابى لم يكن يعنى ركن الكبار على الرف، فقد كان فيها وزراء كبار السن مثل فتحى رضوان، أول وزير ثقافة، والدكتور أحمد حسن الباقورى وغيرهما، ويقاس هذا التمازج حتى لو كانت الغلبة فيه للشباب أو للشيوخ بنتائجه عبر الإنجازات الحقيقية التى تحفظ للمسؤول سيرته الطيبة فى التاريخ، كما فعل عزيز صدقى فى الصناعة، وفعل ثروت عكاشة فى الثقافة.
يقودنا ما سبق إلى حقيقة هامة، وهى أن معيار التفاخر بصغر سن الوزير يتحول إلى عبء على صاحبه، مادام مسؤولا من هذا النوع لا يعمل فى بيئة سياسية طموحة، وثورية ناجحة توفر لطاقة الشباب تصريفها فى مجالها البناء، ولذلك ينبغى تأجيل التباهى بصغر سن الوزير يحيى حامد.