أدهشنى خبر تعيين الدكتور علاء عبدالعزيز وزيراً للثقافة، فهو اسم لا نعرفه.. وقد اعتصرت ذاكرتى هنا وهناك لعلى أتذكر مثقفاً بهذا الاسم، فأنا شخصياً أعمل فى وزارة الثقافة منذ نهاية سنوات الثمانينيات من القرن الماضى- أى منذ عشرين عاماً تقريباً- ولم أتذكر أن الوزارة عرفت رجلاً بهذا الاسم.. وقلت لنفسى: ألهذا أصبحت وزارة الثقافة فى خانة التجاهل والإهمال والاحتقار حتى تسند مسؤولية ثقافة أعرق دولة عربية لوزير مجهول؟ بل إن الأمر تخطى ذلك بعد أن اكتشفنا سيل الإضرابات والاحتجاجات وحالة الغليان المستمرة التى تسود قطاعات المثقفين وفروع وزارة الثقافة.. ولا أعرف كيف يفكر كبار مسؤولينا وعلى أى أساس يختارون قيادات الدولة؟ أم أن الأمر مرهون بأن هذا الوزير كان يكتب فى جريدة «الحرية والعدالة» الناطقة بلسان الإخوان المسلمين.. ويكتب على هواهم، فقد تعرض لأمور شديدة الحساسية، وأشار إلى الحملة المثارة حول حرمانية التماثيل وفنون النحت، ولم يكن منحازاً فى صف الفنانين والنحاتين.. وغير ذلك من المواضيع التى تثير جدلاً.. حقاً إنها أزمة كبيرة تحتاج منا إلى فتح ملف الاختيارات، كيف يختار رئيس الوزراء أسماء وزرائه حتى الأسماء التى كانت مرشحة لوزارة الثقافة، لا تليق بهذا المكان وبهذه المكانة، وزير ثقافة مصر هو وزير حضارة مصر والمؤتمن على خزانة أفكارها وفكرها وميراثها الإنسانى والموروث الشعبى والفنى والأدبى.
وكان الأمل أن تكون مصر بعد ثورة 25 يناير فى وضع جديد تماماً، حيث نتلاشى سلبيات الماضى ونصحح الأخطاء ولكن شيئاً من هذا لم يحدث.. أغلب الأخطاء كما هى.. وحتى مع بدايات وزير الثقافة الجديد لو أنه بدأ عمله بقرارات رشيدة وواثقة نحو التجديد والتطوير وتصحيح الأخطاء.. لقلنا فلنراجع مواقفنا معه.. إلا أن بداية القصيدة كان كفراً كما يقال.. فالرجل يريد أن يلغى كل رموز العمل الحقيقى من أجل سيادة أسماء جديدة يريد أن يفرضها.. حتى تتسق مع مبدأ الأخونة السائد فى مصر حالياً، وكانت دهشتى أن من أول قراراته إقالة الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، وهو أمر يدعو إلى الريبة والقلق، فمجاهد يعتبر أحد أهم رؤساء هيئة الكتاب، فمنذ أن وطئت قدماه أرض الهيئة بادر بالتغيير والتطوير ووصول الكتاب المصرى إلى العالمية فى المعارض الدولية التى لم نكن نزورها من قبل أو نزورها على الهامش، ولست الآن بصدد الدفاع عن الدكتور أحمد مجاهد.. ولكنى يؤسفنى أن نصل إلى مرحلة حجب النخبة عن القيادات الثقافية وخاصة أنه منذ حصوله على درجة الدكتوراه المميزة فى مسرح الشاعر صلاح عبدالصبور هو اسم يجتهد فى كل خطواته ويريد فى كل مرحلة أن يترك فيها بصمة.. نحن اليوم فى ورطة ومأزق غريب فهناك مخطط لتدمير الرموز المستنيرة فى وزارة الثقافة لإحلال أسماء تعمل من أجل الترويج لأفكارها، وأنا مع الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون الذى أكد أن الوزير الجديد هدفه تصفية وزارة الثقافة.. وإذا كنا قد وصلنا إلى هذا المنحدر الخطير فإننى أدعو المثقفين والأدباء والنخبة إلى عقد مؤتمر عام لإنقاذ وزارة الثقافة وإنقاذ روح مصر وحضارتها.. الأمر حرج وأصوات العقل والحكمة لابد أن تعلو وإن كان فيها غائب يحضر لأن القضية لا يمكن أن يصلح معها التأجيل أو المماطلة.. فقد وصلنا إلى مرحلة لا تقبل المهادنة أو الصمت.