«العيب هو اللى بيعمله رئيس الدولة، لما يوعد إرهابيين وقتلة بالإفراج عنهم، ولما يدفع الجيش للتفاوض مع مجرمين دى تبقى إهانة وذل»، تلك كانت كلمات غاضبة قالها ممثل القوات المسلحة ردا على ممثلى حزب الحرية والعدالة فى اجتماع تم فى مكتب محافظ شمال سيناء اللواء سيد عبدالفتاح، بعد أن قالوا لممثل الجيش: «اتكلم بأدب عن رئيس الجمهورية عيب تتكلم عنه بالطريقة دى».
القصة نقلتها الزميلة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس الأول، وهى واحدة من القصص التى يتم تداولها منذ مأساة اختطاف الجنود المختطفين، فى القصص ما يقال عن رفض «الرئاسة» لأى عملية عسكرية لتحرير الجنود، وتفضيلها اللجوء إلى التفاوض الذى لم يصل إلى شىء حتى كتابة هذه السطور مساء أمس الأول.
يمكنك أن تضع الغضب المتبادل بين ممثل الجيش وممثلى حزب الحرية والعدالة فى دائرة الخلافات المبدئية بين الطرفين، ويمكنك أن تستنتج أشياء أخرى، أهمها أننا أمام طرفين لكل منهما تقدير مختلف لهيبة الدولة، يراها ممثل حزب الحرية والعدالة فى الحديث بأدب عن رئيس الجمهورية، ويراها ممثل الجيش فى عدم التفاوض مع مجرمين وخطأ وعد الإرهابيين والقتلة بالإفراج عنهم.
بين التقديرين يبقى أصل المأساة، فأنت أمام مشهد لابد أن تربطه بمقدمات تؤدى إلى ما نحن فيه، مقدمات فيها كارثة مقتل 16 جنديا وضابط فى رفح أثناء الإفطار فى شهر رمضان الماضى، ومازال الأمر لغزا لا يعرف أحد من ارتكب جرمه، واختطاف ثلاثة ضباط ولم تتوصل الأجهزة المعنية حتى الآن إليهم، ومقتل ثلاثة ضباط شرطة فى أحداث قسم شرطة ثان العريش، وهناك قتلى ومصابون آخرون، وأدى هذا التتابع فى تلك الجرائم دون مواجهتها بحسم إلى تآكل تدريجى فى هيبة الدولة.
حين يتم مقتل جنود بطريقة مأساوية دون الكشف عن مرتكبيه، فأنت أمام تشجيع لآخرين بارتكاب جريمة مماثلة، حين تعجز الأجهزة عن فك لغز اختطاف ضباط، فأنت أمام رسالة لآخرين تشجعهم على ارتكاب مثل هذا الفعل، حين ترى قيادات لما يسمى بالجهادية السلفية تؤيد «الاختطاف»، فأنت أمام ساحة وجدت المناخ المشجع لما تقوله، وحين ترى مظاهرات ترفرف فيها أعلام تنظيم القاعدة، فأنت أمام كارثة عنوانها «ها هو الإرهاب ورجاله يحلون ضيوفا على أرضنا»، وحين ترى رئيسا يقرر الإفراج عن إرهابيين تلوثت أيديهم بالدماء، فأنت أمام إجازة للقانون وعدالته، وأمام تشجيع واضح لمسار الإرهاب.
لا تفصل ما يحدث فى سيناء عما يحدث من قتل شباب ثائر، لا تفصله عما يحدث من تصميم إخوانى على التمكين من أجهزة الدولة، لا تفصله عن غباء التعامل مع القضاة بالتصميم على إصدار قانون السلطة القضائية فى غيبة أهله، لا تفصله عن اتفاق الرئيس مع القضاة على عقد مؤتمر للعدالة ينتهى بقانون جديد بدلا مما قدمه حزب الوسط إلى مجلس الشورى، وبينما يستعد القضاة لذلك تأتى المفاجأة من مجلس الشورى بالعودة إلى مناقشة ما يرفضه القضاة.
لا تظن أن كل ذلك بعيد عما يحدث فى سيناء، وبعيد عن خطف الجنود، العطب واحد، والصورة تحدثك عن هيبة مفقودة للدولة، حتى لو انبرى مؤيدو الرئيس دفاعا عنه.