السكوت ليس دائما دليل الرضا، فقد يكون أحيانا من هول الذهول.. فنسكت من هول الجمال أو من هول الألم أو من هول الغباء، أو قد يكون السكوت بسبب فقدان الأمل أو ضياع الحيلة من تكرار الحماقة.. والتكرار هو أكبر مخاوفى حكمة ملهمة للأديب الألمانى ماكس فريش، ولكنها مرعبة هنا حينما نتكلم عن سيناء أو (توشريت) كما سماها الفراعنة ومعناها أرض (الصمت والعراء)، ونحن غيرنا الاسم واحتفظنا بالمعنى. لم نفهم أهمية هذه النقطة التى تجمع بين قارتين وتطل على بحرين وتحمى حدودنا الشرقية، وكررنا الحماقة عشرات المرات رغم أن الطبيب المفكر أوليفر هولمز يقول: (إن العقل حينما يتمدد لاستيعاب فكرة جديدة لا يعود أبدا إلى حجمه الطبيعى)، فلماذا تتقلص العقول هنا ولا تتمدد بالأفكار الجديدة أو حتى القديمة، فمنذ عشرات السنين والرؤساء والوزراء يخرجون علينا بتصريحات واستراتيجيات وخطط عصماء وعمياء لتعمير وتسكين سيناء، فلا هى سكنت وعمرت، ولا هم سكتوا أو صدقوا لنظل فى وهم التصريحات بأنها أهم منطقة فى البلاد رغم أن الواقع يؤكد لنا كل حين أنها ستكون أرض الميعاد. ولم يؤلمنى فى أزمة سيناء الأخيرة إلا المخطوفين السبعة، فحينما خطفوا تساءل الناس متعجبين كيف يخطف الجنود مثل العيال، وحينما عادوا قال الناس لماذا لم يستشهدوا كالرجال.. وسألت نفسى ما ذنبهم فى كل ما يقال وما ذنب سيناء فى أن تلاقى كل هذا الإهمال فنتكلم عن تعميرها كل حين ونتركها للحيوانات الضالة والإرهاب. لا فرق بيننا وبين النائم فى بيته وهو فاتح الباب، وكل يوم يصحو ليلعن ويسب فى اللصوص والتسيب الأمنى وذمة الجيران.. فقبل أن نفكر فى التسيب الأمنى فلنفكر فى التسيب العقلى ولماذا الإصرار على ترك سيناء صحراء جرداء بلا مدن ولا زراعة أو صناعة أو حتى بشر، فالسيادة الحقيقية لا تأتى بالقبضة الحديدة أو بالانتشار العسكرى والأمنى، بل تأتى بالتسكين والتعمير.